بكين | علا التصفيق في قاعة «الشعب الكبرى» إثر تصريح الأمين العام للحزب الشيوعي، رئيس جمهورية الصين الشعبية تشي جينغ بينغ، أمس، بأن «علينا توطيد التضامن بين الجيش والحكومة، وبين الجيش والشعب، من أجل حشد قوة جبارة لتحقيق حلم الصين والحلم بتقوية الجيش». وإدراكاً منه أن هذا القول قد يثير مخاوف من نيّات استخدام القوة الحربية للسيطرة على بلدان أخرى من خلال انتشار قواعد عسكرية، كما هي حال الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، شدّد تشي على أن بلاده «لن تسعى أبداً إلى الهيمنة والتوسّع الخارجي»، كما أنها لا تبغي «التنمية الذاتية على حساب مصالح الدول الأخرى».
لكن هذا لا يعني سكوت الصين عن ممارسات الهيمنة والتوسع لدول الغرب، إذ أوضح تشي أن «الصين تواصل بثبات حماية الإنصاف والعدالة الدولية، وتعارض فرض إرادة أية دولة على غيرها، وتدخلها في شؤون غيرها، واستغلال القوة لاضطهاد الضعفاء». وتؤكد مصادر سياسية في بكين لـ«الأخبار» أن السياسة الخارجية الصينية تجاه الأحداث في سوريا والصراع العربي ــ الإسرائيلي وغيرها، تستند إلى هذا التوجّه القيادي، وأن الاستخدام المتكرّر للـ«فيتو» للاعتراض على مشاريع قرارات تخصّ سوريا في مجلس الأمن، جاء من أجل حماية الإنصاف والعدالة الدوليين. ورفع تشي من نبرة خطابه بشأن أي تهديد لمصالح الصين، حاسماً بأنه «لن يُسمَح لأي شخص بتخيّل محاولة إجبار الصين على ابتلاع ثمرة مُرّة تضر مصالحها الخاصة».

تعارض الصين فرض إرادة أيّ دولة على غيرها واستغلال القوة لاضطهاد الضعفاء



الأمين العام للحزب الشيوعي أعلن أمس، خلال خطاب دام حوالى أربع ساعات، انطلاقة جديدة لـ«بناء الدفاع الوطني والجيش»، في ظل «التغييرات العميقة التي طرأت على بيئة أمن الدولة، ومتطلبات العصر لتقوية البلاد والجيش». وشدد على تطبيق «المبادئ الاستراتيجية العسكرية في ظل الأوضاع الجديدة لبناء القوات البرية والبحرية والجوية وقوات الصواريخ وقوات الدعم الاستراتيجي القوية والحديثة، وكذلك لبناء القيادات الميدانية القوية والعالية الفعالية للعمليات المشتركة، وإنشاء منظومة القتال الحديثة». وفي هذا الإطار، كان لافتاً نشر الحزب الشيوعي صوراً لأمينه العام بلباس عسكري ميداني، في معرض إنجازات الخمس سنوات الأولى منذ توليه مهماته القيادية. كذللك كان لافتاً الجناح العسكري في المعرض، حيث عرضت عيّنات عن بطاريات صواريخ متطورة إضافة إلى الأسطول الجوي والبحري والقوات البحرية والبرية. وتقدّر مصادر في بكين حجم الميزانية العسكرية لـ«الجيش الشعبي» بحوالى 145 مليار دولار أميركي.
وشرح تشي جينغ بينغ أنّه بحلول أواسط القرن الحالي، سيتحوّل الجيش الشعبي إلى «جيش من الدرجة الأولى في العالم على نحو شامل»، مشيراً إلى لزوم «ترسيخ الفكرة المتمثلة في كون العلوم والتكنولوجيا قدرة قتالية محورية»، ومؤكداً على مكننة الجيش وإحراز تقدم مهم في البناء المعلوماتي.
لكن القوة المتعاظمة للصين الشعبية لا تعتمد على القدرة القتالية الحربية وحسب، بل إن رئيس جمهورية بلد المليار وثلاثماية وخمسين مليون نسمة شدد على عناصر أساسية أخرى لـ«تحقيق انتصار حاسم في إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وإحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد».
وقال تشي أمام أكثر من 2300 مندوب يحضرون أعمال المؤتمر، إن الغاية الأصلية للشيوعيين الصينيين ورسالتهم هما «السعي من أجل سعادة الشعب الصيني ونهضة الأمة الصينية». ويُذكر أن عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني يبلغ أكثر من 89 مليون عضو، ما يجعله أكبر حزب في التاريخ.
ولكن كيف تحقّق القيادة الحزبية هذه الغاية؟ تشدّد قيادة الجيل الخامس بعد الثورة، خلال المؤتمر التاسع عشر، على أن الالتزام بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية هو السبيل الوحيد، وأنها نجحت في تطوير البلاد ورفع مستوى العيش وبناء دولة قوية وقادرة. وأشار الأمين العام، أمس، إلى أن الصين تمر حالياً في المرحلة الأخيرة من تطورها نحو النظام الاشتراكي المثالي، من خلال القضاء على الفقر وتطوير القوة الاقتصادية وترسيخ القيم الاجتماعية الاشتراكية وتقدم المعرفة والعلوم وحماية البيئة. لكنّه نبّه رفاقه الحزبيين إلى أن «الشوط الأخير من الرحلة هو الأصعب»، مطالباً إياهم بالاستعداد لبذل «جهود أعظم وأكثر مشقة».
وقال تشي: «أصبحنا اليوم أكثرَ اقتراباً من تحقيق هدف النهضة العظيمة للأمة الصينية، وأكثر ثقة وقدرة على ذلك من أي فترة في التاريخ. ومن أجل تحقيق الحلم العظيم، يجب خوض نضال عظيم». لكنه حذّر رفاقه من الأفكار والأفعال المتمثلة في «السعي وراء المتعة والتكاسل».
وتناول الرئيس الصيني مواضيع تحسين مستوى عيش الشعب باستمرار (في هذا الشأن يمكن مراجعة عدد أمس)، وتطوير الاقتصاد والبنية التحتية والتثقيف الأيديولوجي، ووضع الاستراتيجيات بناءً على خلاصات الأبحاث العلمية، للإشارة إلى سبل النهوض وتحقيق الأهداف.
وشدد على الالتزام بتنفيذ البرنامج الذي وضعه الحزب لمساعدة الفقراء، واتباع آلية العمل «المتمثلة في التخطيط الشامل من الحكومة المركزية»، مشيراً إلى أنه تم تخليص «أكثر من 60 مليوناً من السكان الفقراء من الفقر، خلال السنوات الخمس الماضية، وخفض نسبة الفقر من 10,2% إلى ما دون 4%».
وختم تشي جينغ بينغ خطابه بكلام صاخب، إذ قال: «نمتلك قوة جبارة محتشدة من أبناء الشعب الصيني، البالغ عددهم أكثر من مليار وثلاثمئة مليون نسمة، ما يوفر لنا مسرح عصر واسعاً لا مثيل له، وخلفية تاريخية عميقة لا نظير لها، وقوة إرادة جبارة لا تُضاهى للتقدم الى الأمام».




«ضرب النمور والذباب»


«ثابرنا على مكافحة الفساد، بما يتّسم بانعدام أي منطقة محظورة والتغطية الشاملة وعدم التسامح إطلاقاً، وواظبنا بثبات لا يتزعزع على ضرب النمور والذباب»، قال الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، في إشارة إلى كبار الفاسدين وصغارهم في الصين. كذلك، تحدّث عن «صيد الثعالب»، في إشارة إلى حملة شنّتها سلطات الأمن العام الصينية تهدف إلى القبض على المشتبه في ارتكابهم جرائم اقتصادية، الهاربين في الخارج. لكن واقعية الأمين العام للحزب الشيوعي دفعته، على ما يبدو، إلى الاعتراف بأن أعماله في هذا الإطار «ما زال يشوبها كثير من النواقص، وتواجهها أيضاً صعوبات وتحديات غير قليلة». وأثار تحديات كثيرة أبرزها «التنمية غير المتوازنة»، إذ قال: «ما زالت هناك فجوة كبيرة نسبياً في التنمية وتوزيع الدخل، بين الحضر والريف وبين مختلف الأقاليم، وتواجه جماهير الشعب صعوبات عديدة في التوظيف والتعليم والخدمات الطبية والمساكن ورعاية المسنين».
يُذكر أن لجنة جديدة لمكافحة الفساد سيتم تشكيلها، خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي، كما كان قد أعلن أول من أمس المتحدث باسم المؤتمر تهو جن، في مؤتمر صحافي تمهيدي.