طهران | انتشر، أول من أمس، خبر في وسائل الإعلام الإیرانیة عن لقاء وزير الخارجية محمد جواد ظریف النائب عن دائرة مشهد وكلات في مجلس الشورى، کریمي قدوسي، والذي يُعدُّ من أکبر معارضي الاتفاق النووي، وهو عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية. جرى اللقاء في مجلس الشورى، وانتهى بموقف غير مسبوق من قبل النائب الأصولي، إذ توجّه إلى ظريف بالشكر على مواقفه الأخيرة تجاه واشنطن.
المهم في هذا الخبر أنّه يساعد على إدراك ما يجري في الساحة الإيرانية الداخلية، وخاصة خلال الأيام الماضية مع تصاعد احتمالات عدم مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على «التزام إيران بالاتفاق النووي»، وفي ظلّ ما ترافق عن احتمال تشديد العقوبات بخصوص الحرس الثوري وتصنيفه «إرهابياً». وفي الحقیقه، فقد لوحِظ تحسن مفاجئ على صعيد العلاقات بین مختلف التیارات السیاسیة في إيران، ترافق مع مواقف غیر مسبوقة من جانب کبار السیاسيین، أدهشت المتابعين في إیران، وظریف أيضاً، وخاصة أنّها تعكس تناغماً في المواقف الخارجية.

لم يقتصر التوافق الدبلوماسي والعسكري على البرنامج النووي


الرئيس حسن روحاني، على سبيل المثال، ضمّن كلمته أثناء اجتماع مجلس الوزراء، دعماً واضحاً للحرس الثوري، وقال إنّ الأخير «لیس وحدة عسكرية فحسب، إذ إنّه يحتلّ قلوب الشعب الإيراني ودافع عن المصالح الوطنية في كل مراحل الخطر»، مضيفاً في سياق كلمته: «لا يوجد أي خلاف بين الأطراف الإيرانية حول ضرورة مواجهة مؤامرات الأعداء، وكلّنا سوف نكون صفاً واحداً وإلى جانب بعضنا البعض بكل ثبات».
في السياق نفسه، أعلن قائد الحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، الذي كان قد عانق ظريف، أمام الصحافيين قبل ثلاثة أيام: «على الرئيس الأميركي أن يعلم بأننا ووزارة الخارجية والحكومة واحد، وقلوبنا واحدة، ولدينا اتجاه دبلوماسي وعسكري واحد، لكن طرقنا التعبيرية قد تكون مختلفة».
ما يبدو توافقاً دبلوماسياً وعسكرياً في إيران، لم يقتصر على شِق البرنامج النووي، إذ شمل أيضاً البرنامج الصاروخي للحرس الثوري، في مواقف قد لا تكون جديدة تماماً، إنّما يأخذ التعبير عنها حدوداً جديدة.
وعلى سبيل المثال، فإنّ ظريف وفي مقابلات عدة مع وسائل إعلام إيرانية وأجنبية، أكد أنّه كدبلوماسي وكمسؤول في بلاده لا يوافق على أي أمر يقيّد قدرات البلاد الصاروخية. وقال في هذا الصدد: «إنّ الصواریخ الإیرانیة دفاعیة بامتیاز، ولم تُصنع من أجل حمل أسلحة نوویة، والسبب فی اختبارها هو رفع مستوى دقتها، ولا حاجة إلى الدقة إذا کانت الصواریخ قد صُنعت لنقل أسلحة نوویة لأنّه في هذه الحال ما يُختبر هو المديات فقط».
جدير بالذكر هنا أنّ «الخبر الحصري» الذي نشرته وكالة «رويترز» قبل أيام، والذي ينقل عن «مصدر إيراني مطلع» استعداد إيران للتفاوض وتهدئة المخاوف بشأن البرنامج الصاروخي، نفاه أولاً، وبصورة مفاجئة أيضاً، الدبلوماسي الإصلاحي المقيم حالياً في الولايات المتحدة، علي يوسفي، وليس شخصية ما في الحرس الثوري أو شخصية عسكرية. وهذا أمرٌ يصب في خانة حدوث تحوّل مهم في سياق علاقات الدبلوماسيين بالعسكريين في البلاد.
ومن المعروف أنّ كان هناك الكثير من المخاوف في المجتمع الإيراني بشأن احتمال زيادة التوترات بين التيارات السياسية، وخاصة أنّ التطورات الحالية تأتي عقب الانتخابات الرئاسية الساخنة التي جرت في شهر أيار/ مايو الماضي. لكن يبدو أنّ «العدو» تسبب بالخير هذه المرة، إذ ساهم في تشكّل تضامن استراتيجي بين مجمل التيارات السياسية وكبار المسؤولين، وذلك بهدف مواجهة خطوات ترامب العدائية تجاه إيران وقدراتها الدفاعية.
وبرغم أنّ قليلين ربما في هذا العالم يعرفون خطوات ترامب المقبلة، من الواضح أنّ إيران أصبحت مستعدة لحدث مهم، وبات بالإمكان التكهن بأنّ ردّها سوف يكون صارماً بأي حال.