يبدو أن حكومة «الحزب الشعبي» الإسبانية تتجه بجدية نحو تنفيذ وعدها بمنع إجراء استفتاء الانفصال الكاتالوني، باتخاذها خطوة جريئة أمس بحق الحكومة الكاتالونية المؤيدة للانفصال، مع اعتقال الحرس المدني 12 مسؤولاً كاتالونياً، تلتها تظاهرات في الشارع.
وقد حوّلت خطوة حكومة الأقلية برئاسة ماريانو راخوي الأخيرة النقاش في البلاد من تأييد أو رفض الاستفتاء إلى نقاش بشأن الديموقراطية في إسبانيا. في الأثناء، فيما يزيد عدم الرضى لدى شريحة من المجتمع الإسباني التي قد لا تؤيد انفصال كاتالونيا لكنها على الأقل تؤيد إجراء الاستفتاء، بينما يجب أن يتركز «الجدل حول ضرورة الاستفتاء كأداة ديموقراطية لحل مشكلة سياسية قائمة»، وفق ما قال لـ«الأخبار» الباحث السياسي الكاتالوني ــ السوري في «كلية الملك» في لندن، غابرييل غروم.
وفي ساعات الصباح الأولى أمس، دهمت الشرطة الإسبانية وزارات محلية في الإقليم كجزء من خطة ممنهجة لمنع قيام الاستفتاء في الأول من تشرين الأول، معتقلة نائب رئيس الإقليم، أرويل خونكيراس، وجوزيف ماريا جوفي وهو الأمين العام لنائب الرئيس، في خطوات رأى البعض على مواقع التواصل الاجتماعي أنها تذكّر بأيام حكم فرانكو. كذلك، اقتحمت الشرطة مكاتب دوائر الاقتصاد والداخلية والشؤون الخارجية والشؤون الاجتماعية والاتصالات والضرائب في الإقليم.

أصبح إجراء
الاستفتاء صعباً بسبب العوائق التي
وضعتها الحكومة

وتشكّل تلك الخطوة «المثل الأكثر قساوة للمواجهة المفتوحة بين السلطات والشعب والمؤسسات الكاتالونية المؤيدة للاستفتاء، والدولة الإسبانية، منذ اتخاذ البرلمان الكاتالوني القرار بعقد استفتاء الانفصال»، وفق غروم.
وتلك ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة الإسبانية خطوات لوقف إجراء الاستفتاء الذي تعتبره غير شرعي، إذ صادر الحرس المدني الإسباني الملايين من المظاريف في صناديق كرتونية كانت الحكومة الكاتالونية تريد توزيعها على السكان، فيما مثلت أمام الادعاء، أول من أمس، الدفعة الأولى من مئات من رؤساء بلديات كاتالونيا الذين أعلنوا دعمهم للاستفتاء، مخالفين إرادة مدريد.
تلك الإجراءات صنّفها رئيس حكومة كاتالونيا، كارليس بيغدمونت، بأنها «عدوان منظم» من قبل «شرطة وزارة داخلية الحكومة المركزية الإسبانية من أجل منع الكاتالونيين من ممارسة حقهم الديموقراطي بحرية وتعليق عمل حكومة كاتالونيا المنتخبة ديموقراطياً في 27 أيلول 2015»، في تصريح مباشر له أمس باللغة الإنكليزية. ورأى أن تصرّف الحكومة المركزية ليس له أساس قانوني ويخرق الشرعة الأوروبية للحقوق، متّهماً الحكومة الإسبانية «الاستبدادية» بفرض حالة طوارئ في هذا الإقليم الواقع شمال شرق إسبانيا.
وفي الشارع، تجمع آلاف الأشخاص في وسط برشلونة للاحتجاج على التوقيفات. وقد وقعت صدامات بين الشرطة والمتظاهرين أمام دائرة الشؤون الخارجية، فيما ردّد بعض المتظاهرين في برشلونة عبارة: «قوات الاحتلال إلى الخارج!»، وكتب على لافتات: «سنصوّت من أجل أن نكون أحراراً».
وقد دعا راخوي في وقت سابق إلى «الهدوء»، مع خروج المتظاهرين إلى شوارع برشلونة، وإلى «العودة الى الوضع الطبيعي والتعقل، لأن هذا الاستفتاء لا يمكن أن يحصل». واتهم راخوي أيضاً قادة كاتالونيا الانفصاليين بخرق القانون ومخالفة الدستور الإسباني.
وقد تعيق ضغوطات الحكومة الإسبانية، جدياً، عقد الاستفتاء، إذ «من الواضح الآن أنهم استهدفوا أسس التنظيم الذي نحتاج إليه للاستفتاء، ونحن نعلم جميعاً في كاتالونيا أن القيام بالاستفتاء في ظل تلك المعوقات أصبح أمراً صعباً جداً»، وفق غروم. لكن في المقابل، فإن استمرار الحكومة المركزية في حملتها قد «يؤدي إلى ردّ فعل أكبر من كاتالونيا، يتخطى الحركة المؤيدة للاستقلال»، وذلك في ظل إصرار الحكومة الكاتالونية على المضيّ قدماً باستفتاء شكّل حجر الزاوية لها منذ فوزها بالأغلبية البرلمانية في عام 2015.
وقد حرفت حكومة راخوي بتصرّفاتها «النقاش عن أحقية الانفصال أو عن أحقية القيام بالاستفتاء إلى تساؤل جدّي بشأن القيم الديموقراطية في الدولة الإسبانية»، فيما «تبعد عنها دعم بعض الأحزاب السياسية بشأن الاستفتاء»، مشكّلةً في الوقت عينه «موجة أكبر من عدم الرضى السياسي لدى من لا يؤيدون الاستقلال، بل هم على الأقل مع الحق في إجراء الاستفتاء»، كما شرح غروم.
وبهذا المعنى، تضع الحكومة المركزية نفسها أمام «مقامرة» مع تحوّل محاولاتها وقف الاستفتاء إلى «استهداف واضح يجعل الخلاف السياسي الداخلي يجذب انتباهاً دولياً أكبر». وفي البداية جمع راخوي حوله تأييداً سياسياً من الأحزاب الأساسية في البلاد، لكن خطوة مدريد الأخيرة ستقرّب، على سبيل المثال، موقف الحزب اليساري «بوديموس»، المؤيد لقيام استفتاء شرعي في كاتالونيا، أكثر نحو الأحزاب المؤيدة للانفصال، والذي كان قد رفض في السابق تعامل مدريد مع الأمر وأيّد «الطرق السياسية» للتعامل مع الأزمة.
ورغم وجود اختلافات في استطلاعات الرأي، إلا أن غابرييل غروم أشار إلى أنه «في كاتالونيا، فإن التأييد الأكبر هو لإجراء الاستفتاء، من قبل البرلمان ومن قبل الشارع، وهو أمر كان على مدريد أن تتصرف معه بشكل سياسي»، متحدثاً عن استطلاع في شبكة ««إل دياريو» الإسبانية يقول إن 60 في المئة من الكاتالونيين يؤيدون إجراء الاستفتاء و60 في المئة من هؤلاء يؤيّدون الانفصال.
وفيما رأت صحيفة «إل بايس» الإسبانية المناهضة للاستفتاء، في افتتاحيتها أمس، أن «الاستفتاء الكاتالوني يشكل تهديداً للديموقراطية والحرية والانسجام الاجتماعي في إسبانيا» وأن «الانفصاليين وضعوا تحدّياً غير مسبوق ضد إسبانيا» عبر تصرّفهم غير المسؤول، إلا أنه في الواقع يرى معظم الكاتالونيين أن القيام بالاستفتاء، الذي هو أداة ديموقراطية، يشكل «الجواب الحقيقي عن سؤال انتمائهم إلى إسبانيا».
(الأخبار)