لم تنتظر كوريا الشمالية وقتاً طويلاً قبل تنفيذ تهديداتها، وإن كانت آخر التجارب في هذا الإطار قد جاءت ضمن الإطار المتوقع، إلا أنها كانت كفيلة بإشعال ردود الفعل الدولية من مختلف الأطراف. بيونغ يانغ كانت حريصة على إظهار إصرارها على أنها لن تُذعن لأي ضغوط، على المدى القريب أو البعيد، ليكون إطلاق الصاروخ البالستي، أمس، ردّاً واضحاً على آخر مجموعة من العقوبات الدولية عليها.
إعلان إطلاق هذا الصاروخ جاء عبر كل من كوريا الجنوبية واليابان، والولايات المتحدة. وهناك في واشنطن، أعلن البنتاغون أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخاً بالستياً متوسط المدى فوق اليابان باتجاه المحيط الهادئ، موضحاً أن الصاروخ لم يشكّل أي تهديد للولايات المتحدة. وقالت قيادة المحيط الهادئ في الجيش الأميركي، في بيان، إن «التقديرات الأولية تشير إلى إطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى». وأشار البيان إلى أن «قيادة المحيط الهادئ أكدت أيضاً أن الصاروخ لم يشكل تهديداً على جزيرة غوام».
وأطلق الصاروخ من موقع قريب من بيونغ يانغ، بعد أقل من أسبوع على إقرار مجلس الأمن الدولي مجموعة ثامنة من العقوبات على كوريا الشمالية. وجرت عملية الإطلاق الجديدة، بعد أيام على سادس تجربة نووية أجرتها كوريا الشمالية، وكانت الأقوى حتى الآن، فيما أعلنت أنها فجّرت خلالها قنبلة هيدروجينية بحجم يسمح بتثبيتها على رأس صاروخ.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس القيادة الاستراتيجية للجيش الأميركي أن القنبلة التي فجرتها كوريا الشمالية، في 3 أيلول، خلال تجربتها النووية السادسة كانت على الأرجح قنبلة هيدروجينية، وفق ما نقل عنه موقع «ديفينس نيوز» المتخصص الخميس. وقال الجنرال جون هايتن: «رأيت الحدث، رأيت المؤشرات التي تأتت عنه، رأيت حجمه ورأيت التقارير، وبناءً على ذلك، أفترض من جانبي أنها كانت قنبلة هيدروجينية».
وقال الجنرال هايتن متحدثاً لصحافيين لدى مرافقته وزير الدفاع جيم ماتيس في زيارة لمقر القيادة، إن «حجم السلاح يظهر بوضوح حصول انفجار ثانوي»، مضيفاً: «برأيي التعريف عينه» للقنبلة الهيدروجينية. وتابع: «لم نشهد بعد تجميع كل العناصر»، ملمّحاً بذلك إلى أن القنبلة لم تُثبَّت بعد على صاروخ، «لكنها مسألة وقت لا غير».

أمل تيلرسون أن تستخدم الصين إمدادات النفط «كأداة قوية» ضد «الشمالية»

وإن كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يصدر بعد رد فعل مباشراً على آخر التجارب الكورية الشمالية، إلا أن واشنطن حضّت بكين، الحليف الأساسي والداعم الاقتصادي الرئيسي لبيونغ يانغ، وموسكو على تشديد الضغط على بيونغ يانغ.
وأمل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، أن تتّخذ الصين من تلقاء نفسها قراراً باستخدام إمدادات النفط «كأداة قوية» لإقناع كوريا الشمالية، بإعادة النظر في «مسارها الحالي». وقال خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره البريطاني بوريس جونسون، في لندن، إن الولايات المتحدة كانت تريد قراراً أشد من جانب الأمم المتحدة التي أقرت حزمة جديدة من العقوبات على كوريا الشمالية يوم الاثنين. وأضاف تيلرسون: «آمل أن تقرّر الصين، باعتبارها بلداً عظيماً وقوة عالمية، من تلقاء نفسها أن تأخذ على عاتقها استخدام هذه الأداة القوية المتمثلة في إمدادات النفط لإقناع كوريا الشمالية بإعادة النظر في مسارها الحالي تجاه تطوير الأسلحة، وإعادة النظر في نهج الحوار والمفاوضات في المستقبل».
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنها تعارض استخدام كوريا الشمالية لصواريخ باليستية في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي. وقالت المتحدثة باسم الوزارة هوا تشون ينغ إن التركيز على الحدّ من قدرات كوريا الشمالية الصاروخية والنووية، ينبغي ألا يكون على حساب المساعي من أجل إيجاد حل سلمي ودبلوماسي للأزمة. وقالت هوا إن الصين قدمت تضحيات كبيرة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وإنه لا يمكن الشك في صدقها.
روسياً، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا عدم التسامح في إطلاق صواريخ بنحو غير شرعي من قبل كوريا الشمالية، معربة عن أسفها بشأن لهجة واشنطن العدوانية في هذا الشأن. وقالت زاخاروفا، في حديث لإذاعة «موسكو تتحدث»: «نحن لا نُظهر فقط عدم التسامح في عمليات الإطلاق غير الشرعية، بل أيضاً الرغبة في تسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية». وأضافت: «للأسف نسمع من واشنطن لهجة عدوانية فقط».
كذلك، أعلن الكرملين أن أحدث تجربة صاروخية لكوريا الشمالية، تأتي ضمن سلسلة استفزازات غير مقبولة، وإن مجلس الأمن الدولي له موقف موحد، وهو أنه لا ينبغي أن تحدث عمليات إطلاق من هذا النوع. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن «روسيا قلقة للغاية بشأن عمليات إطلاق مستفزة جديدة تؤدي إلى استمرار تصعيد التوتر في شبه الجزيرة». وأضاف بيسكوف أن إظهار عدم التسامح بنحو واضح في هذا الشأن، يمثّل خطوة عملية محدّدة يمكن القيام بها حالياً. وأكد بيسكوف أنه «أخذاً في الاعتبار كيفية تبني القرار الأخير بشأن كوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي، يمكن القول إن ذلك يمثّل إلى حدّ بعيد وجهة نظر مشتركة، توحّد جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن في رفض مثل هذه الخطوات الاستفزازية».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)