يراقب الغربيون عن كثب تدريبات «زاباد 2017» أي «غرب 2017» العسكرية الروسية التي انطلقت، أمس، وتستمر حتى 20 أيلول، في مناطق عسكرية في بيلاروسيا وغرب روسيا وجيب كالينينغراد الروسي وبحر البلطيق، وصفتها صحيفة «ذي غارديان» البريطانية بأنها التدريبات الأكبر لموسكو منذ الحرب الباردة، وهي تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية ــ الغربية توتراً شديداً.ويشعر الغرب بقلق بالغ من تلك المناورات التي تقوم بها روسيا كل أربع سنوات، في ردّة فعل وصفها المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس، بأنها «إثارة حالة من الهستيريا»، نافياً ما يتداول في الغرب عن أن المناورات تجرى وسط أجواء تفتقر إلى «الشفافية».

ويتحدث الغربيون عن تدريبات «ضخمة» تضم 100 ألف جندي وتشمل «إطلاق صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية»، فيما تؤكد موسكو أنها مؤلفة من 12 ألفاً و700 جندي و250 دبابة و10 سفن حربية تقوم باختبار قوتها النارية ضد عدو افتراضي قرب الحدود مع بولندا ودول البلطيق. ووفق بيان لوزارة الدفاع الروسية، فإن «زاباد 2017» هي «دفاعية بحتة وغير موجهة ضد أي دولة أو مجموعة دول».
وبالإضافة إلى التشكيك في وجود «خطط سرية» روسية خلف تلك المناورة، تصر الدول الأعضاء في «حلف شمالي الأطلسي» على النظر إلى «زاباد» على أنها استعراض روسيا لقوتها، وخصوصاً أنها تجرى على مقربة من دول الاتحاد الأوروبي. وقال بعض المراقبين الغربيين إن المناورات الرسمية بدأت أمس، لكن «الانتشار بدأ قبل أسابيع»، وفق مقال في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أمس. مع ذلك، رأت الصحيفة أنه ليس مفاجئاً أن يتم التعامل مع التدريب على أنه «خطوة جيوبوليتيكية أساسية» لروسيا، إذ إن «زاباد 2017» تظهر «جيشاً تحوّل تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين إلى قوة فعالة انتشرت في سوريا وأوكرانيا في الأعوام الماضية».
وبشكل عام، عكست الصحافة ووسائل الإعلام الغربية حالة الهلع القائمة لدى الغرب من المناورات الروسية، إذ اعتبرتها «واشنطن بوست» بأنها بمثابة اختبار لدول «حلف شمالي الأطلسي» لإظهار «الضعف في قدرة الحلف» على إنقاذ دول أوروبا الشرقية، مفترضة سيناريو «عدوان روسي» عليها. وتابعت أنها «تشكل تحدياً استراتيجياً للولايات المتحدة ولقادة الأطلسي عبر إظهار الكلفة المرتفعة للدفاع عن دول البلطيق». وقبل أيام، دعا وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، إلى التحلي بالقوة في مواجهة تلك التدريبات التي «أعدت لاستفزازنا واختبار قدراتنا الدفاعية».
في المقابل، طمأنت مجلة «بوليتيكو» الأوروبية الى أن «شفافية» بيلاروسيا بشأن المناورات ودعوتها الصحافة الغربية إلى تغطيتها تمنح «الأطلسي» نافذة لـ«دراستها». وانتقدت المجلة تهويل الصحافة الغربية بشأن المناورات، معتبرة أنها بذلك تقدم لموسكو الدعاية التي ترغب فيها. ورأت المجلة في الوقت نفسه أن «خطورة» المناورات بالنسبة إلى الغرب، في هذا الوقت بالتحديد، تكمن في أن موسكو باتت تمثل «تهديداً أكبر» على «الأمن الأوروبي بعد دخولها إلى القرم وشرق أوكرانيا» في ربيع عام 2014.
من جهة ثانية، فإن السيناريو الأكثر «قلقاً» بالنسبة الى صحيفة «واشنطن بوست» يكمن في إبقاء روسيا بعض جنودها المشاركين في التدريبات داخل الأراضي البيلاروسية، معتبرة أن «زاباد 2017» قد تكون بمثابة «حصان طروادة» الروسي، أي أنها تعطي روسيا غطاءً لتبقي خلفها بعض الجنود والمعدات العسكرية التي استخدمتها في المناورة.

تتزامن «زاباد» مع
إطلاق كييف لتدريب عسكري مشترك مع واشنطن

ووصف وزير خارجية لاتفيا، إدغار رينكيفيكس، في حديث إلى الصحيفة الأميركية الحالة في بلاده بأنها «حذر» وليست «خوفاً»، إذ إن «ما نشهده هو عبارة عن تدريبات ذات طبيعة عدوانية، إنها تدريبات تحاكي على الأقل مواجهة ضد أربع دول من الأطلسي تحت حجة محاربتها للانفصاليين».
بدوره، رأى الأمين العام لـ«الحلف الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، أنه «مع مزيد من العمليات العسكرية قرب حدودنا الجوية والبحرية والبرية، فإن خطر وقوع حوادث وخطأ في الحسابات مرتفع». وتابع في حديثه مع «واشنطن بوست» أن «الشفافية هي أفضل وسيلة لتفادي هذا النوع من الحوادث»، في إشارة إلى «رفض» روسيا وجود مراقبين دوليين للتدريبات. يذكر أنه منذ تدهور علاقتها مع الغرب في عام 2014، أجرت موسكو عدداً من المناورات شارك في بعضها 100 ألف جندي تقريباً.
وتتزامن المناورات الروسية مع إطلاق أوكرانيا تدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة وعدد من دول الأطلسي تحت اسم «رابيد ترايدينت». وتجرى «رابيد ترايدينت» في مدينة يافوريف في الغرب الأوكراني، وهي تستمر حتى 23 أيلول ويشارك فيها عدد «لم يسبق له مثيل» من الجنود يصل إلى ألفين و300 من 15 بلداً، وفق بيان للجيش الأوكراني.
يأتي ذلك في وقت مدد فيه الاتحاد الأوروبي، أمس، لستة أشهر إضافية عقوباته الفردية المفروضة على نحو 150 مسؤولاً روسياً وأوكرانياً بسبب «تدخلهم» المفترض في الأزمة في شرق أوكرانيا، وفق بيان مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد. وأعلن البيان أن «تقييم الوضع أتاح الاستنتاج بأنه لا مجال لتعديل مجموعة العقوبات»، مضيفاً أن «اللائحة السوداء» للاتحاد الأوروبي تضم، بعد تحديثها عبر سحب أربعة أشخاص متوفين منها، 149 شخصية روسية وأوكرانية، منها عدد كبير من قادة المتمردين و38 «كياناً» أي مؤسسات ومنظمات أو أحزاب سياسية، «يعرضون أو يهددون وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها». وجمدت ممتلكات هؤلاء في الاتحاد ولا يمكن منحهم تأشيرة دخول إلى الاتحاد الأوروبي.
(الأخبار)