لم ترضخ إيران للضغوط الغربية والأميركية، المتمثل آخرها في ربط المهلة النهائية للتوصل إلى اتفاق نووي بالكونغرس. ما عملت على برهنته هو أنها لا تمتثل للإملاءات ولا لتغيير المواقف، وأيضاً أوضحت لواشنطن أنه إذا كان الاتفاق مرتبطاً بحسابات داخلية أو خارجية، فهذا ليس من شأنها وعلى الإدارة الأميركية تدبّر الموضوع. منتصف الليل بتوقيت واشنطن (الساعة السابعة صباح اليوم بتوقيت فيينا) وُضع كنقطة نهاية لماراثون المفاوضات التي تشهدها العاصمة النمسوية، منذ حوالى أسبوعين، وهو الوقت الذي يجب أن يُسلّم فيه الاتفاق إلى الكونغرس لمراجعته، وإلا سيطول وقت موافقته عليه وربما يجعل العملية أكثر تعقيداً. ولكن وفق ما أفاد مصدر إيراني، أمس، فإن هذا الموعد «ليس مقدساً».
تصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري، مساء أمس، أعربت عن إذعان أميركي لفكرة أنه لا يمكن تهديد إيران بالمهل وتحويل الكونغرس إلى «بعبع» لإجبارها على التوقيع على اتفاق، لذا كان لا بدّ من التسليم بالأمر الواقع والإعلان عن «عدم الاستعجال لإتمام المهمة».
«ذا غارديان»: عُرضت مقترحات الأربعاء ثم سُحبت بعد اتصال أوباما بالوفد الأميركي المفاوض

كيري قال للصحافيين في باحة فندق «كوبورغ»: «يجب أن لا نترك طاولة المفاوضات فقط لأن الساعة دقت عند منتصف الليل»، مضيفاً: «نحن لن نستعجل ولن نسمح باستعجالنا». وأكد في الوقت ذاته «أننا لسنا هنا من أجل التفاوض فقط، نحن هنا لأننا نحقق تقدماً حقيقياً باتجاه اتفاق شامل». ورغم تحذيره من أنه «لن نجلس إلى طاولة المفاوضات إلى الأبد»، فقد أشار إلى أنه «إذا تمكنّا من التوصل إلى اتفاق، فيجب أن يكون قادراً على تخطي اختبار الزمن».
في هذا الوقت، كان ظريف يغرّد عبر موقع «تويتر»، قائلاً: «نعمل بجد، لكن من دون عجلة لإنجاز المهمة». ولكنه أضاف: «اسمعوا كلامي، لا يمكن تغيير الخيول وسط التيار»، وهو ما اعتبرته صحيفة «ذا غارديان» البريطانية نابعاً من تصوّرات إيرانية جرى استخلاصها بعد «مجموعة مقترحات عرضت، الأربعاء، من قبل الولايات المتحدة ثم جرى سحبها، بعد مؤتمر عُقد عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، ليلاً، بين فريق التفاوض الأميركي و(الرئيس باراك) أوباما». يومها، استعرض أوباما خلال هذا الاتصال، «التقدم وقدم بعض التوجيهات»، بحسب البيت الأبيض.
في وقت لاحق، أمس، أكد ظريف، في ظهور قصير من على شرفة «كوبورغ»، أنه سيبقى في فيينا «طالما لزم الأمر»، إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست أعلن أن أوباما سيسحب فريق التفاوض الأميركي من فيينا، إذا بدا أن المحادثات غير مثمرة. وقال: «حقيقة أننا واضحون تماماً بشأن توقعاتنا تجاه الاتفاق النهائي يجعل من غير المرجح ألا تستمر المحادثات لعدة أسابيع أخرى. لكن ــ مرة أخرى ــ أنا لا أتكهن بشأن النتيجة».
من جهته، بدا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ــ المتشدد عادة ــ أكثر دفعاً باتجاه إتمام الاتفاق قبل المهلة المحددة، وقال إن مباحثات فيينا ستستمر هذه الليلة سعياً للتوصل إلى اتفاق. وأضاف: «لا تزال هناك مشكلات يصعب حلّها. قررت البقاء. سنعمل هذه الليلة».
في مقابل ذلك، نقلت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية عن مصدر قوله إن رفض الولايات المتحدة قبول حقوق إيران ولا سيما ما يتعلق بالعقوبات، يعرقل الوصول إلى اتفاق بين إيران والقوى الكبرى الست. ونسبت الوكالة إلى مصدر لم تسمه القول إنه «بينما يظهر الفريق الإيراني مرونة، فإن الأميركيين يرفضون قبول حق إيران الطبيعي ولا سيما ما يتعلق بالعقوبات».
هذا الأمر عبّر عنه مسؤول إيراني آخر، متهماً الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى بتغيير موقفها في المحادثات النووية. فقد قال متحدثاً إلى الصحافيين، شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن بعض الأطراف في المحادثات تتراجع عمّا جرى إقراره في الاتفاق المبرم، في نيسان، في مدينة لوزان السويسرية بين إيران والقوى الكبرى. ولكنه أضاف إن إيران تتطلع إلى رؤية ما إذا كانت أميركا مستعدة للتخلي عن «هوسها بالعقوبات»، مشدداً على الحاجة إلى رفع الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على وصول السلاح إلى إيران.
التصريحات الروسية أوحت بذلك أيضاً، فقد شكلت عنصر ضغط في اتجاه رفع حظر بيع الأسلحة لإيران، وهذا ما عبّر عنه تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أكد تأييد موسكو لرفعها «في أسرع وقت ممكن»، موضحاً أن هذه العقوبات فرضت لدفع إيران إلى التفاوض، وهو هدف «تحقق منذ فترة طويلة».
وشارك وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا في المحادثات، صباح أمس، في حين لم يتضح متى سينضم إليهم الوزيران الروسي والصيني اللذان يشاركان حالياً في قمة «بريكس» المنعقدة في روسيا. إلا أن لافروف قال، من مدينة أوفا حيث تعقد قمة دول «بريكس»، إنه لم يعد هناك «مشاكل يصعب التغلب عليها»، مشيراً إلى أنه «يمكن أن يشارك في المحادثات في أي لحظة».
في أثناء ذلك، تطرّق بيان دول «بريكس» إلى المفاوضات النووية، وأعرب المشاركون عن توقعهم «التوصل إلى خطة أعمال شاملة في أقرب وقت، بعد تنسيقها من قبل الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيران وبمشاركة الاتحاد الأوروبي»، مؤكدين أن «من المقرر أن تعيد هذه الخطة الثقة الكاملة في الطابع السلمي البحت للبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى ضمان رفع جميع العقوبات المفروضة على طهران».
وأضاف إن «هذه الخطة يجب أن تمنح إيران كامل الحقوق في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، بما في ذلك حق تخصيب اليورانيوم بمراعاة معاهدة حظر الانتشار النووي والتزامات طهران الدولية».
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد صرح، أول من أمس، قبل مغادرته إلی روسيا للمشارکة في اجتماع منظمتي «بريكس» و«شنغهاي» بأن إيران يمكنها إقامة تعاون واسع مع أعضاء المنظمتين، مؤکداً أنها تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد المفاوضات والحظر المفروض عليها. وأشار روحاني إلی المفاوضات النووية، موضحاً أنها «تمضي أيامها الحساسة».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)