لا يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يسير في الاتجاه التصاعدي الذي بدأ به، إذ بعد تحقيقه فوزاً رئاسياً كبيراً، يعاني الرئيس الشاب في استطلاعات الرأي، الأمر الذي دفعه في الآونة الأخيرة إلى تغيير استراتيجيته في التواصل مع الرأي العام والإعلام، فيما جمع حكومته، أمس، لإعطاء دفع لعملها مع اقتراب استحقاقات أساسية ومفصلية لعهده.
وبدت هذه «العودة» الحكومية بعد العطلة الصيفية مشحونة بالتوتر مع تخييم «إصلاحات قانون العمل» عليها، والتي ترغب حكومة ماكرون في إمرارها عبر مراسيم ابتداء من يوم الخميس المقبل، فيما تهدد قوى اليسار والنقابات العمالية في البلاد بتنظيم احتجاجات رافضة في اليوم نفسه.
وسبق لزعيم «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلانشون، الذي يمثل أكثر معارضة سياسية فعالة في فرنسا حالياً، أن دعا مناصريه إلى «نقل الصراع إلى الشارع»، في إشارة إلى المواجهة ضد «إصلاحات حكومة ماكرون» التي تزيد من تنافسية الشركات وتضرّ بالعمال. ومن المتوقع أن يُقام تجمع ميلانشون المعارض لإجراءات ماكرون في باريس في 23 أيلول «لمواجهة الانقلاب الاجتماعي» المتمثل بتعديلات قانون العمل.

حاول ماكرون
تخفيف الصورة التشاؤمية التي بدأت تسيطر على فريقه

وخلال الاجتماع الحكومي، صباح أمس، حاول ماكرون تخفيف الصورة التشاؤمية التي بدأت تسيطر على فريقه، إذ قال إن «من الضروري جداً عدم التراجع أمام نذر الشؤم»، مضيفاً أن «البعض قد يتمنون حصول ذلك. لكن سبب وجودنا هنا هو العمل وبحزم».
ودعا ماكرون حكومته إلى «التحلي بالإرادة»، فيما علق النائب الاشتراكي، أوليفييه فور، على هذا الكلام بالقول إن «الأجواء لا تبدو صافية» أمام ماكرون. بدوره، قال رئيس الوزراء، إداور فيليب، إن الحكومة ستعمد الى خفض الضرائب بشكل كبير، مع تجديد التأكيد على خفض الإنفاق العام و«كسر دائرة الدين السيئة». وتابع أن الموازنة ستموّل الشؤون ذات الأولوية بالنسبة إلى الفرنسيين، مثل الأمن والتعليم والدفاع.
ورأى فيليب لدى خروجه من الاجتماع الحكومي، أنّ «البلاد بحاجة إلى تحول، والفرنسيون يدركون ذلك». وأضاف أنه رغم الانتقادات اللاذعة، فإنّ الحكومة تنوي بالفعل «البدء بإصلاح البلاد» عبر برنامج عمل ضخم تم إعداده خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وإضافة إلى تعديلات قانون العمل، سيجري خلال شهر أيلول إطلاق «الأعمال المرتبطة بإصلاح تعويضات البطالة والتدريب المهني»، إضافة إلى «سلسلة من الإجراءات المرتبطة بالعمال المستقلين»، وفق فيليب، الذي أشار أيضاً إلى وجود خطة موسعة خاصة بالسكن والنقل و«التوجهات الأولى لخطة ضخمة تتعلق بالطلاب».
يتزامن ذلك مع زيادة الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن وتيرة عملها، ردّ عليها المتحدث باسم الحكومة كريستوف كاستانير، أول من أمس، بقوله إن «الفرنسيين يقولون إننا لا نتقدم بالسرعة اللازمة... لقد عملنا طيلة تموز على مسألة الموازنة». ورد وزير الداخلية جيرار كواومب، كذلك على تلك التساؤلات، معتبراً أن «أسئلة الفرنسيين تكثر لأنهم يرون إجراءات مجزأة من دون أن يفهموا الرابط بين الإجراء والآخر».
وفي مقابل سعيه إلى تبديد الصعوبات المواجِهة لإصلاحاته التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، لا تأتي استطلاعات الرأي لمصلحة ماكرون، فقد أظهر استطلاع، نشر أول من أمس، أن غالبية الناخبين الفرنسيين غير راضين عن أدائه. ووفق الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «إيفوب» لمصلحة صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، فإن معدّل عدم الرضى عن ماكرون وصل إلى 57 في المئة، وهو أسوأ بواقع 14 نقطة مئوية من الاستطلاع الأخير الذي أجري في تموز الماضي أي قبل حوالى شهر فقط.
ووصلت نسبة تأييد الرئيس الذي ينتمي إلى تيار يوصّف نفسه بـ«الوسطي»، إلى 40 في المئة، وهو رقم دفع المتحدث باسم الحكومة الفرنسية إلى التبرير بالقول إن الحزب الحاكم يمرّ بمرحلة «حرجة»، مضيفاً أن «إغضاب البعض هو ثمن جدير بأن تدفعه الحكومة إذا ما كانت ترغب في المضي قدماً في إجراء إصلاحات».
وتلك ليست الانتكاسة الأولى لماكرون منذ انتخابه، فقد أثرت النقاشات الحادة في البرلمان بشأن قانون العمل وخلاف الرئيس مع الجيش بشأن موازنة الدفاع وتقليص معونات الإسكان، على صورته لدى الرأي العام. وارتفع التأثير السلبي على صورة ماكرون مع تزايد المعارضة لإصلاحاته، ومع ما يبدو أنه إخفاق في استراتيجية الرئاسة للتواصل، ما وضع ماكرون في مركز أدنى من سلفه، فرنسوا هولاند، إذ أظهر استطلاع «إيفوب» أن الانخفاض التراكمي لشعبية ماكرون منذ أيار هو أكبر من ذلك الذي واجهه الرئيس السابق.
وفي الأسبوع الماضي، كان هولاند قد استغل فرصة تقلب شعبية وزير الاقتصاد السابق في عهده، ليقدّم «انتقامه»، إذ قال إنها «ليست فكرة جيدة أن تطلب من الفرنسيين تضحيات غير لازمة».
تزامناً مع ذلك، أبدى ماكرون استعداداً لإجراء مقابلتين صحافيتين على الأقل في الشهر، بعدما كان يتجنب الحديث إلى الإعلام منذ توليه الرئاسة، إضافة إلى دفعه وزراءه ونواب حركته «الجمهورية إلى الأمام» إلى دعمه عبر الإعلام ولشرح خططه قدر المستطاع، في محاولة لقلب الاستياء العام منه.
(الأخبار)