بعدما أشعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخلاف مع ألمانيا بدعوته الناخبين الألمان ــ الأتراك إلى توجيه «صفعة» للتحالف الحاكم في ألمانيا، يستمر وزراء حكومته في السياسة نفسها، فيما تُبيّن بعض التصريحات الألمانية والأوروبية أن اللجوء إلى عقوبات ضد أنقرة قد لا يكون أمراً مستبعداً.وبعد أردوغان، جاء دور وزير الشؤون الأوروبية عمر جليك، أمس، بتوجيه الاتهامات إلى برلين، رداً على وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال الذي اتهم أنصار الرئيس التركي بتهديد زوجته. ورأى جليك أن غابريال يستعيد في تصريحاته «خطاب اليمين المتطرف والعنصريين»، متابعاً عبر موقع «تويتر»، في سلسلة تغريدات، انتقاد غابريال ونظيره النمساوي سيباستيان كورتز. وقال إن «غابريال لا يدلي بتصريحات خاصة به. إنه يتحدث عبر نسخ كلام اليمين المتطرف والعنصريين». وتابع جليك أن «هجمات العنصريين والفاشيين وأعداء الإسلام لا تعني شيئاً لتركيا». كذلك اتهمه بمحاولة «نسف» العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، عبر القول «للعنصريين إنهم على حق».

وكان غابريال قد ردّ، خلال تجمّع انتخابي لـ«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» الذي ينتمي إليه، على تصريحات ترامب بشأن الانتخابات الألمانية. وقال إن برلين وباقي أوروبا يجب أن تدعم غالبية الأتراك «ذوي العقلية الديموقراطية» الذين لا يدعمون أردوغان. وتمثل تصريحات غابريال، التي أدلى بها ، تشديداً لموقف برلين تجاه «حلف شمال الأطلسي»، وذلك بعدما طالب أردوغان الوزير الألماني بأن «يلزم حدّه».
في الأثناء، حثّ نواب من «حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي»، الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وآخرون من «حزب اليسار»، على النظر في تجميد الأصول الخارجية لأردوغان وأعضاء دائرته الداخلية. وعبّر المتحدث باسم الشؤون الخارجية في «حزب اليسار»، سيفيم داغلين، عن الرغبة الفورية «بعقوبات مباشرة على أردوغان وشركائه»، وذلك فيما التزم غابريال الحذر، أول من أمس، بشأن العقوبات، وقال إن ألمانيا لا ترغب في أن تضرّ من دون قصد «بملّاك المطاعم الصغيرة وموظفيها على الساحل الغربي». وفي مقال في صحيفة «دير شبيغل»، قال غابريال إنه ينبغي لألمانيا تحديد المجموعات التركية في ألمانيا التي تعارض أردوغان وتقدم لها مساعدات مالية، لمواجهة ما وصفه بنفوذ الحكومة التركية على ثلاثة ملايين تركي من خلال القنوات الفضائية والمساجد التي تموّلها أنقرة.
وعلى الرغم من الموقف المتشدد الذي تتخذه أنقرة تجاه الألمان، إلا أن الخلاف الأخير مع ألمانيا أظهر اختلافاً في النبرة داخل «حزب العدالة والتنمية»، وفق ما كتب ذو الفقار دوغان في «آل مونيتور». وفيما شدد أردوغان وبعض الشخصيات المقرّبة منه اللهجة تجاه الألمان، عمل رئيس الوزراء بن علي يلديريم، وبعض الوزراء، على تخفيف التوتر عبر اعتماد خطاب أقل حدة تجاه ألمانيا.
وينبع ذلك من واقع أن كلفة الخلاف مع ألمانيا التي تعدّ شريكاً اقتصادياً مهماً لتركيا ستكون مرتفعة، في حال فرضت برلين عقوبات على أنقرة، لا سيما أن إعلان المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عدم نيتها تجديد اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الأتراك أثار امتعاض أنقرة.
وبينما يتهم أردوغان الألمان باستخدام انتقادهم لتركيا كعامل جذب للناخبين قبل انتخابات أيلول، رأى دوغان أنه في مقابل خشية يلديريم من تنفيذ ألمانيا لتهديداتها بفرض عقوبات على بلاده، يستكمل أردوغان سياسته العنيفة تجاه الأوروبيين كاستراتيجية انتخابية ليضمن فوزه في انتخابات عام 2019 الرئاسية.

يبرز اختلاف في النبرة بين أردوغان ورئيس حكومته بشأن ألمانيا

وبرز الاختلاف الداخلي في «العدالة والتنمية» خصوصاً في تموز الماضي، حينما قالت ألمانيا إن تركيا قدمت لائحة بمئات الشركات الألمانية التي أرادت أنقرة التحقيق بشأن «الاشتباه في دعمها للإرهاب». وفيما نفت أنقرة ذلك بناءً على معلومات قدمتها المخابرات التركية للرئيس التركي، إلا أن الضرر كان قد حصل. وللتخفيف من آثار المشكلة، دعا يلديريم، الذي بات يلعب دوراً أساسياً في التهدئة مع برلين، عشرات الشركات الألمانية إلى قصر شنقايا في أنقرة، حيث رأى أن «الشركات الألمانية تخضع لانتقاد غير عادل وتدفع ثمن» توتر العلاقات بين البلدين.
في غضون ذلك، قال نائب رئيس الوزراء التركي، بكر بوزداغ، إن الانتخابات البرلمانية في تركيا ستجري في موعدها عام 2019، ولن تكون هناك انتخابات مبكرة.
وبعدما كان أردوغان المرشح الأوحد للمنصب الرئاسي، أعلنت النائبة السابقة في حزب «الحركة القومية» التركي، ميرال أكشنير، ترشحها للانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2019 عن حزب جديد ستطلقه في تشرين الأول المقبل، وفق ما أعلن نائب «الحركة القومية»، كوراي أيدن، أمس.
وأيدن هو واحد من عدد من نواب «الحركة القومية» الذين خرجوا عنه بعد تحالفه مع «العدالة والتنمية» قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نيسان الماضي، والتي منحت الرئاسة التركية صلاحيات تنفيذية واسعة. وقادت أكشنير حركة من فصلوا أو استقالوا من «الحركة القومية»، في سياق تحويل ذلك التيار المعارض إلى حزب جديد. ووفق أيدن، فإن الاستطلاعات التي قامت بها الحركة المعارضة تبين أن أردوغان ليس الأول في خيار الناخبين إلى الرئاسة.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)