ما زالت مدينة برشلونة الإسبانية تمتص صدمة الهجوم الإرهابي الذي وقع في أحد أكثر شوارعها ازدحاماً بالسياح، مساء أول من أمس، مودياً بحياة 14 شخصاً ومصيباً العشرات، تبنّاه تنظيم «داعش»، وهو الأعنف على البلاد منذ هجمات مدريد عام 2004.
وبعد يوم من قيادة من يشتبه في أنه إسلامي متشدد سيارة ودهسه حشوداً في شارع لاس رامبلاس في برشلونة، شرعت إسبانيا في عملية واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب، وقتلت خمسة مهاجمين محتملين، من بينهم منفذ هجوم برشلونة في بلدة كامبريلس، خلال عملية لإحباط «هجوم إرهابي» آخر باستخدام أحزمة ناسفة، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسبانية.
ومن المدينة المستهدفة، أعلن رئيس الوزراء ماريانو راخوي الحداد لثلاثة أيام جراء ما وصفه بأنه «هجوم جهادي». وقال في مؤتمر صحافي إن «الحرب ضد الإرهاب هي اليوم الأولوية الأولى للمجتمعات الحرة والمنفتحة مثل مجتمعاتنا. إنه تهديد عالمي والرد يجب أن يكون عالمياً».
وفي آخر ما توصلت إليه التحقيقات، فإن المشتبه فيهم كانوا يعدّون لاعتداء أكبر، لكن مخططهم أحبط، وفق ما قال مسؤول شرطة كاتالونيا، جوزيب لويس ترابيرو، في مؤتمر صحافي أمس. وأكد أن الهجومين العنيفين في كاتالونيا جرى التخطيط لهما منذ فترة من قبل أشخاص في بلدة ألكانار التي كانت مسرحاً لانفجار وقع في منزل بعد فترة قصيرة من منتصف ليل أول من أمس، في واقعة تربطها الشرطة بالهجومين. كذلك، قال مصدر قضائي إن المحققين يعتقدون أن ثمانية أشخاص على الأقل، وقد يصل عددهم إلى 12 شخصاً، ربما شكلوا خلية نفذت هجوم برشلونة ومؤامرة كامبريلس وخططت لاستخدام أسطوانات غاز.
وأوضح قائد شرطة الإقليم أن ثلاثة من الأشخاص الذين اعتقلوا حتى الآن في ما يتصل بالهجوم هم مغاربة، بينما الرابع إسباني، تتراوح أعمارهم بين 21 و34 سنة. وللمفارقة، ليس لأي منهم سجل في ممارسة أنشطة مرتبطة بالإرهاب. وبداية، لم تتعرف الشرطة على سائق السيارة الذي دهس الحشود في وسط برشلونة، لكن وسائل إعلام محلية أكدت في وقت لاحق أنه من بين خمسة مشتبه فيهم قتلوا بالرصاص في بلدة كامبريلس السياحية أمس. وقالت السلطات إن ستة مدنيين وشرطياً واحداً أصيبوا في كامبريلس عندما دهسوا بسيارة.

بوتين: ما حدث يؤكد ضرورة توحيد الجهود في مكافحة الارهاب

وبعد الهجوم بوقت قصير، أعلنت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» مسؤولية التنظيم عن الهجوم، وقالت إن منفذي «هجوم برشلونة هم من جنود الدولة الإسلامية، ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف»، في إشارة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم. ولا يوجد مؤشر على أن «داعش» وجّه أو نظّم الهجوم، رغم أن بعض المسؤولين عن هجمات مماثلة في أوروبا استلهموا فكر التنظيم الإرهابي.
في الأثناء، ذكرت الحكومة المحلية في كاتالونيا أن المصابين والقتلى قدموا من 34 دولة مختلفة، مثل فرنسا وألمانيا وباكستان والفيليبين. وقالت وسائل إعلام إسبانية إن عدداً من الأطفال ضمن القتلى.
بدورها، أعلنت فرنسا أن 26 من مواطنيها أصيبوا، وأن 11 منهم في حالة خطرة، بينما قالت أستراليا إن أربعة على الأقل من مواطنيها أصيبوا. وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية أيضاً أنه يعتقد أن 13 ألمانياً ضمن المصابين في واقعة الدهس.
ويدخل هجوم برشلونة في سياق سلسلة هجمات في مناطق متفرقة من أوروبا على مدى 13 شهراً، أدّت إلى مقتل أكثر من 100 شخص في نيس الفرنسية وبرلين ولندن وستوكهولم.
ويثير تكرار الهجمات المماثلة قلق الحكومات الأوروبية، ويعتبر الإرهابيون «أيّ تجمع للمدنيين هدفاً سهلاً»، وفق الرئيس السابق لقوة التدخل في الحرس الوطني الفرنسي، فريديريك غالوا. في المقابل، رأى الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، جان بيار فيليو، أن لدى «داعش» الذي سارع إلى تبنّي اعتداء لاس رامبلاس، منطقه الخاص وأهدافه البعيدة المدى. وأكد أن المسألة هي «مسألة القيام بما هو مناسب ضمن تخطيطهم الإرهابي. يريدون أن يثبتوا أنهم ما زالوا يتمتعون بالقدرة ذاتها بالرغم من تراجعهم الميداني، لكنهم لا يسددون ضربات لمجرد أنهم يتراجعون في العراق وسوريا».
وأثار الهجوم تنديداً عالمياً، إذ أكدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي ضربت بلادها عدة اعتداءات في الأشهر الأخيرة، أنها «متضامنة مع إسبانيا ضد الإرهاب». أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فكتب على موقع «تويتر» أن «الولايات المتحدة تدين الاعتداء الارهابي في برشلونة في إسبانيا، وستفعل كل ما هو ضروري لمساعدتها». وأضاف: «كونوا شجعاناً وأقوياء، نحن نحبكم!». وقبيل ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أن الولايات المتحدة ستقف في صف إسبانيا في التحقيق المقبل. وعبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على «تويتر»، عن «تضامن فرنسا مع ضحايا الهجوم المأسوي في برشلونة. نبقى متحدين ونملك التصميم».
كذلك، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مكافحة عالمية «لقوى الإرهاب»، مضيفاً في رسالة تعزية وجّهها الى ملك إسبانيا فيليبي السادس أن «ما حدث يؤكد مرة جديدة ضرورة القيام بتوحيد حقيقي لجهود كل الأسرة العالمية في مكافحة كل قوى الإرهاب بلا هوادة». ووصف الاعتداء بـ«الجريمة الوحشية».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)