برغم تهديد العديد من القادة الأوروبيين لليونانيين بأن رفضهم للمزيد من سياسات «التقشف» الكارثية سيعني خروج بلادهم من منطقة اليورو، وربما أيضاً من الاتحاد الأوروبي، عبّر رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، عن ثقته بأن «طريقاً سيُفتح غداً (اليوم) باتجاه العودة إلى المبادئ المؤسسة لأوروبا»، أي إن رفض اليونانيين للضغوط سيقوي موقف الحكومة الرافض لشروط الدائنين، وسيفتح الباب أمام العودة إلى مبادئ الديمقراطية والتضامن، حسبما صرّح تسيبراس بعد تصويته بـ«لا» لشروط الدائنين، هو ووزير المالية في حكومته يانيس فاروفاكيس، الذي رأى أنه «أياً تكن نتيجة الاستفتاء، سيتم التوصل الى اتفاق (اليوم).
أنا مقتنع بذلك اقتناعاً تاماً؛ أوروبا تحتاج الى اتفاق، واليونان تحتاج الى اتفاق».
وفيما كان اليونانيون يدلون بأصواتهم في الاستفتاء يوم أمس، احتشد آلاف الاشخاص في برشلونة وباريس ودبلن وفرنكفورت، للإعراب عن تضامنهم مع اليونان والاحتجاج على السياسات الاوروبية.
فاروفاكيس: خسارة
أوروبا ستتجاوز خسارة اليونان


ألمانيا: تسيبراس «قطع آخر الجسور» مع أوروبا

قبل أيام من نهاية شهر حزيران، موعد انتهاء برنامج القروض المخصص لليونان، قدّم وزراء مالية منطقة اليورو ورئيسَا البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ممثلين دائني اليونان، عرضاً «أخيراً» لأثينا، نص على تمديد برنامج القروض لخمسة أشهر، وتقديم قروض جديدة تصل قيمتها إلى 15.5 مليار يورو، لكن مع اشتراط تطبيق أثينا للمزيد من «الإصلاحات»، أي إجراءات «التقشف» المرفوضة حكومياً وشعبياً، والتي أدت إلى تراجع الناتج المحلي للبلاد ــ خلال خمس سنوات من برامج التقشف و»الاصلاح» ــ بحوالى الربع، وتصاعد البطالة بمعدلات خطيرة، تفوق تلك التي عانت منها أميركا خلال ما يسمى «الكساد العظيم».
في الأيام الماضية، ردّد قادة أوروبيون أن منطقة اليورو باتت في وضع يمكّنها من استيعاب آثار خروج اليونان منها، وشنّوا في الوقت نفسه حملة شعواء لثني اليونانيين عن رفض شروط التمديد لبرنامج القروض، بلغت حداً وصفه فاروفاكيس بـ«الإرهاب». «لماذا أرغمونا على إقفال المصارف؟ ولماذا يبثون الخوف بين الناس؟ عندما يعمدون الى بث الخوف، هذا يسمى إرهاباً»، قال فاروفاكيس في مقابلة مع صحيفة «الموندو» الاسبانية، لافتاً إلى أن خسارة أوروبا ستتجاوز خسارة اليونان في حال خرجت الأخيرة من الوحدة النقدية الأوروبية. ورأى فاروفاكيس أنه «إذا انهارت اليونان، فإن تريليون يورو (ألف مليار يورو، أي ما يعادل الناتج المحلي الاجمالي لإسبانيا) ستضيع. إنه مبلغ كبير للغاية ولا أعتقد ان أوروبا يمكن أن تسمح بذلك».
وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة « هاندلسبلات» يوم أمس عن مصادر حكومية قولها إن ينس فايدمان، رئيس البنك المركزي الألماني، حذر حكومة المستشارة أنجيلا ميركل من أن خروج اليونان من منطقة اليورو قد يحدث فجوة بمليارات اليوروات في ميزانية ألمانيا. وقالت الصحيفة إن خروج اليونان من منطقة اليورو قد يؤدي إلى خسائر للبنك المركزي الألماني تتجاوز حجم أموال الاحتياط البالغة 14.4 مليار يورو (بسبب حيازته كمّاً كبيراً من الأوراق المالية يونانية)، «لن تكون كافية في حالة خروج اليونان». لهذه الأسباب، يرى فاروفاكيس أن التهديدات الأوروبية بخروج أو إخراج بلاده من منطقة اليورو ليست واقعية، وأن الهدف منها جعل «اليونان عبرة للآخرين».
وتباينت ردود الفعل الأوروبية على رفض غالبية اليونانيين لشروط الدائنين في الاستفتاء، إذ أعلن وزير الاقتصاد الالماني سيغمار غابرييل، يوم أمس، أنه «يصعب تصور» إجراء مفاوضات جديدة بين القادة الاوروبيين وأثينا بعد رفض غالبية اليونانيين خطة الدائنين، معتبراً أن تسيبراس «قطع آخر الجسور» بعدما «رفض قواعد اللعبة في منطقة اليورو». كذلك رأى رئيس البرلمان الاوروبي، مارتن شولتز، أن رجحان كفة الـ«لا » في الاستفتاء يعني أن اليونان ستضطر إلى الإسراع في اعتماد عملة جديدة «ما دام اليورو لن يعود متوافراً لهم كوسيلة دفع للرواتب وبدلات التقاعد... وفي اللحظة التي يعتمد فيها طرف ما عملة جديدة فإنه يخرج من اليورو».
ولكن في المقابل، رأى وزير المال الفرنسي ايمانويل ماركون، يوم أمس، أن «على الأوروبيين استئناف المحادثات السياسية» مع أثينا، قائلاً إن «من مسؤوليتنا ألا نكرر معاهدة فرساي في منطقة اليورو»، في إشارة إلى المعاهدة التي فُرضت على ألمانيا بعد الحرب العالمية الاولى، والتي تضمنت شروطاً قاسية جداً، شجّعت على صعود النازية. وفي موقف مشابه، قال رئيس الوزراء الايطالي، ماتيو رنزي، «من الواضح أن على الاوروبيين استئناف المحادثات... وأول من يتعيّن عليه معرفة ذلك هو أنجيلا ميركل».
من جهته، حذّر وزير الخارجية الألماني، فرانك شتاينماير، من أن خروج اليونان من منطقة اليورو سيؤدي إلى «خسارة أوروبا سمعتها في أجزاء من العالم وفقدانها مصداقيتها أيضاً... حتى لو استطعنا التغلب على (النتائج) على صعيد السياسة المالية والنقدية». ورأى شتاينماير أن كلاً من الصين والهند والولايات المتحدة يراقبون بدقة ما إذا كان الأوروبيون سيتغلبون على هذه الأزمة أو لا.
ويرى مراقبون أن أزمة الديون اليونانية تأتي في قلب عدد من المخاطر التي تحدق بوحدة الاتحاد الاوروبي ومكانته الدولية، وهي الخلاف حول سياسات تخدم دول الشمال الأوروبي أكثر منها دول الجنوب، وهي السياسة النقدية وسياسة الهجرة تحديداً. ومن شأن خروج اليونان من منطقة اليورو أن يعزز المخاوف من انفجار أزمات شبيهة في قبرص وايرلندا والبرتغال وإسبانيا وربما حتى إيطاليا. وتفسر هذه المخاوف الحقيقية جداً الحساسية العالية لسعر صرف اليورو إزاء التطورات، والذي انخفض بأكثر من 1.5 نقطة فور الاعلان عن نتائج الاستفتاء مساء أمس. وفي مسألة اللاجئين، يتخوّف كثيرون من السياسات التي قد تتبعها اليونان في حال خرجت أو أُخرجت من منطقة اليورو، وذلك باقترابها أكثر من روسيا، وكسرها للموقف الأوروبي من مسألة الحصار الاقتصادي المفروض على موسكو، وأيضاً وقفها التعاون مع المؤسسات الأوروبية المعنية بالحدّ من الهجرة من دول شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)