لندن | في ما عُدَّ بمثابة صفعة جديدة لحكومة لندن برئاسة تيريزا ماي، كشف رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فرادكر، عن تنسيق مكثّف لبلاده مع نيكولا ستورجين، الوزيرة الأولى لإقليم اسكتلندا (الطامح إلى الاستقلال عن المملكة المتحدة والذي صوتت أغلبية مواطنيه للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في استفتاء البريكست في حزيران 2016). ويهدف التنسيق إلى التصدي لتوجهات حكومة المحافظين في لندن في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي والتي قد تنتهي إلى خروج المملكة المتحدة من السوق الأوروبيّة الموحدة ومن اتحادها الجمركي.
وأعلن فرادكر للصحافيين أنّ هذا التحالف الذي يضم أيضاً الوزير الأول في إقليم ويلز كورون جونز، سوف يدفع، على أعلى المستويات في بروكسل، باتجاه بقاء المملكة المتحدة ضمن السوق المشتركة والاتحاد الجمركي. وأضاف أنه سوف يعمل كذلك على خطط بديلة إذا فشلت تلك الجهود وانتهت بريطانيا خارج تلك المؤسسات الأوروبيّة، من شأنها استيعاب أقاليم اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشماليّة كجزء من هياكل النظام الاقتصادي الأوروبي الموحد.
وشنّ فرادكر هجوماً شديد اللهجة على نيات لندن بشأن مفاوضات «البريكست»، ما عكس ثقة متزايدة في دبلن بالهوية «الأوروبيّة»، وإحساساً مرتفعاً في أوساط نخبها بأفول النفوذ البريطاني على البلاد، وربما تمسّك الإيرلنديين بوحدة بلادهم. ورفع فرادكر سقوفه، لافتاً إلى أنّ (الجارة) إيرلندا الشماليّة (التي تخضع لحكم لندن) لم تحظَ بتمثيل يسمح لها بإيصال صوتها كبقيّة الأمم في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنه لا يجد أحداً في بلفاست (في إيرلندا الشمالية) للتواصل معه بشأن مستقبل الإقليم في أجواء «البريكست» المضطربة.

بدأت جمهورية
إيرلندا مفاوضات مع الأقاليم لمواجهة «البريكست»

المتحدث باسم الحكومة المحليّة في أدنبرة في اسكتلندا، أكد تلك الأنباء، مشيراً إلى أن مناقشات تمت بالفعل مع ليو فرادكر، ومع الإدارة المحليّة في إقليم ويلز، بهدف تنسيق الجهود في مواجهة ما قد يترتب على سياسة حكومة تيريزا ماي (الكارثيّة).
وفيما لزمت لندن الصمت، بدا حزب «الاتحاديين الديموقراطيين» الإيرلندي الشمالي المتحالف مع المحافظين في الحكومة البريطانيّة الحاليّة، غير راض عن تلك الأنباء، ولا سيما بعد تقارير صحافيّة نُقلت عن فرادكر، وتقول إنّ بلاده تسعى إلى رسم الحدود الجمركيّة مع بريطانيا في خط بحري لتجنب عودة الحدود البريّة بين جمهوريّة إيرلندا وإقليم إيرلندا الشماليّة (310 أميال) إلى نقطة جمركيّة كما كانت عليه الحال لغاية 1992 قبل مرحلة الاتحاد الأوروبي. وهو ما وصفه فرادكر بأنه إن حصل ــ كما تعهدت ماي ــ فسوف يكون بمثابة ضربة هائلة لاقتصاد بلاده، رافضاً حتى قبول فكرة تنفيذ حدود ذكيّة بين طرفي إيرلندا بالاستفادة من معطيات التكنولوجيا الحديثة. وعلّق على موقف حزب «الاتحاديين»، قائلاً: «إذا كان هناك من يجب أن يكون مستاءً، فذلك هو نحن بالتأكيد».
ولم يستبعد فرادكر أن يبذل التحالف الثلاثي جهوداً لاستقطاب «حزب العمّال» البريطاني المعارض، في محاولة لثني الحكومة البريطانيّة عن تنفيذ توجهاتها المتصلبة بالسوق والاتحاد الجمركي الأوروبيين على الأقل، الأمر الذي يتوافق وسياسة زعيم «العمّال» جريمي كوربن، تجاه «البريكست». علماً بأنّ مراقبين في لندن قالوا إنه «عندما تتعلق الأمور بالبريكست، فإنّ حزب العمّال لا يزال ممسكاً بالعصى من منتصفها»، موضحين في سلسلة تعليقات أنّ الحزب «يمتنع حتى الآن عن اتخاذ أي مواقف حاسمة بهذا الخصوص، خوفاً من خسارة تأييد الكتلة الإنكليزيّة ذات البشرة البيضاء والتي صوتت بأغلبيتها للخروج من الاتحاد الأوروبي».
هذا التحالف الثلاثي الذي لا بد أنه يحظى ولو بدعم ضمني من طرف بروكسل، يمثّل أسوأ كابوس لتيريزا ماي، إذ إنّ الأمر لن يكون مقتصراً على مصالح اقتصاديّة محضة كما قد يتبدى من النظرة الأولى. وإنّ أي ترتيبات إجرائيّة وجمركيّة منفصلة لكل من اسكتلندا وإيرلندا الشماليّة وويلز (وبالتأكيد جبل طارق لاحقاً) مع الاتحاد الأوروبي، ستكون بمثابة تأسيس لبنية تحتيّة تدفع نحو انفصال تلك الأقاليم نهائيّاً عن المملكة المتحدة، فتستقل اسكتلندا (وربما ويلز)، وتُستعاد وحدة إيرلندا، وتتولى إسبانيا إدارة جبل طارق ولو لفترة انتقاليّة.
ويعني هذا السيناريو انفراط عقد المملكة المتحدة بالكامل، وانحسار حكم «وايتهول» (مقر حكومة لندن) ضمن مملكة أخيرة صغيرة تكون على نسق مملكة ألفريد في ويسيكس في جنوب إنكلترا بحدود عام 871، إذ إنها كانت آخر ما تبقى من ممالك محليّة بعدما اجتاح الجزيرة الغزاة الأوروبيون.
وبينما دخل الملك ألفريد التاريخ لكونه ناضل لتوحيد الجزيرة في حينه، سوف تخرج تيريزا ماي بوصفها «ملكة الخراب» التي فتّتت الجزيرة وتسببت بإنهاء نفوذ إنكلترا على جيرانها المباشرين الذين حكمتهم لمئات من السنين.
هو ربما قصر النظر الذي يصيب النخبة البريطانيّة هذه الأيام، فيعطي المتآمرين للانفصال عن لندن أفضل مما كانوا يتوقعون من ذرائع لإعادة فتح نقاشات الاستقلال من جديد.