في حدث جديد يعكس الهوة بين التصريحات العدائية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه كوريا الشمالية، وبين قدرة واشنطن العملية على «كبح» هذه الدولة «عبر اللجوء إلى الخيارات العسكرية»، تلقت الإدارة الأميركية في اليومين الماضيين «درساً وتحذيراً» كورياً شمالياً، يدعوانها إلى «الاستفاقة من حلمها الغبي بأنّ (بإمكانها إلحاق) أضرار» ببيونغ يانغ.
وأعلنت كوريا الشمالية أمس، أنّ تجربتها التي أجرتها ليل الجمعة لصاروخ بالستي عابر للقارات، كانت بمثابة «تحذير» للولايات المتحدة بسبب مساعيها لفرض عقوبات جديدة عليها، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية. وأعلن البيان أن «تجربة الصاروخ البالستي العابر للقارات هدفه هذه المرة إرسال تحذير صارم إلى الولايات المتحدة التي تطلق تصريحات غير منطقية وحملة محمومة لفرض عقوبات وضغوط (علينا)»، مضيفاً أنه «إذا تجرأ الأميركيون على التلويح بالخيار النووي لتهديدنا مرة أخرى... فإن كوريا الشمالية ستلقنهم درساً في الأدب من خلال القوة النووية الاستراتيجية».
ووفق تأكيدات وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، فإن الصاروخ «هواسونغ ــ 14» الذي أُطلق ليل الجمعة، وصل إلى ارتفاع بلغ 3724.9 كيلومتراً، وقطع مسافة 998 كيلومتراً، وحلق لمدة 47 دقيقة و12 ثانية قبل أن يسقط في المياه الواقعة قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية. وقال خبراء غربيون إنّ الحسابات المرتكزة على بيانات الطيران وتقديرات عسكرية أميركية ويابانية وكورية جنوبية، أظهرت أن بإمكان الصاروخ الوصول إلى مدى بعيد داخل الولايات المتحدة، يصل إلى دنفر وشيكاغو، بينما رجّح الخبير ديفيد رايت، أنه إذا انطلق الصاروخ في مسار تقليدي، فإن مداه سيبلغ 10400 كيلومتر.
وهذه التجربة هي الثانية لإطلاق هذا الصاروخ بعد تجربة أولى أجرتها بيونغ يانغ في بداية الشهر الجاري، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى محاولة إظهار القوة مجدداً تجاه بيونغ يانغ، لكن بحدود أقل هذه المرة، إذ ركّز انتقاداته على الصين مباشرة. وكتب ترامب على موقع «تويتر» أول من أمس: «أشعر بخيبة أمل شديدة إزاء الصين، (فقد) سمح قادتنا الحمقى السابقون لهم بجني مئات مليارات الدولارات سنوياً في التجارة، ولكن لم يفعلوا شيئاً لنا مع كوريا الشمالية، مجرد كلام». وقال: «لن نسمح مجدداً باستمرار ذلك، (إذ) بوسع الصين حلّ هذه المشكلة بسهولة».
وفي ما بدا استعراضاً أميركياً للقوة، أعلن سلاحا الجو الأميركي والكوري الجنوبي أمس، أنّ قاذفتين أميركيتين من طراز «بي ــ 1بي» الأسرع من الصوت حلقتا فوق شبه الجزيرة الكورية، في تدريب و«رد مباشر» على تجربتي كوريا الشمالية لإطلاق صواريخ عابرة للقارات. وأوضح البيان أنّ القاذفتين أقلعتا من قاعدة جوية أميركية في جزيرة غوام غربي المحيط الهادئ، وانضمت إليهما مقاتلات من اليابان وكوريا الجنوبية، علماً أنّها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة تنفيذ طلعات لقاذفات «بي ــ 1بي».

بيونغ يانغ لواشنطن: سنلقنكم درساً في الأدب من خلال القوة


وفي السياق، رأى قائد سلاح الجو الأميركي في المحيط الهادئ الجنرال تيرنس جيه أوشنسي، في البيان، أنّ «كوريا الشمالية لا تزال تشكل التهديد الأكثر إلحاحاً لاستقرار المنطقة»، مضيفاً: «تظل الصدارة للدبلوماسية، لكن برغم ذلك، فإننا نتحمل مسؤولية تجاه حلفائنا وأمتنا لإظهار التزامنا الثابت الذي لا يتزعزع أثناء التخطيط لأسوأ السيناريوات، وإذا دعت الحاجة، فنحن على استعداد للرد بقوة سريعة وفتاكة وساحقة في الوقت والمكان اللذين نختارهما».
تزامناً، فقد اندفعت سيول أمس أيضاً، إلى الاستثمار في الحدث لتُعلن عبر وزير دفاعها سونغ يونغ مو، أنها تعتزم «تعزيز القدرات الدفاعية عن المجال الجوي (في العاصمة الكورية الجنوبية) وضواحيها، وذلك من خلال تحسين صواريخ باتريوت في محاولة مواجهة التهديدات الصاروخية لكوريا الشمالية»، موجهة في الوقت نفسه أمراً «بالحفاظ على الاستعداد التام لرد فعل صارم على أي استفزاز صاروخي».
إزاء هذه التطورات، جاء الرد الصيني هادئاً، إذ كانت الخارجية الصينية قد أعلنت قبل يومين معارضتها «لأنشطة الإطلاق (التي تقوم بها بيونغ يانغ) التي تتنافى مع قرارات مجلس الأمن الدولي والرغبات المشتركة للمجتمع الدولي»، معربة في الوقت نفسه عن «الأمل» بأن «تتصرف الأطراف كافة بحذر لمنع استمرار تصاعد التوترات وحماية السلام والاستقرار في المنطقة بشكل مشترك».
(الأخبار، رويترز)