اتضحت، منذ الأسبوع الماضي، الصورة الأولية لخريطة المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، في أيار 2017. فبعد فوز رئيس الوزراء الأسبق، اليميني فرانسوا فيون، بالانتخابات التمهيدية في حزبه الأسبوع الماضي، وبعد إعلان الرئيس الحالي هولاند عزوفه عن الترشح، جاء دور الحزب الاشتراكي لتحديد مرشحه، من خلال انتخابات تمهيدية ستجرى في كانون الثاني المقبل.
يمينياً، لم يكن الأمر محسوماً لمصلحة فيون أبداً، فأغلبية استطلاعات الرأي بقيت حتى الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية تعطي فرص النجاح لخصمه آلان جوبيه، بعد خسارة نيكولا ساركوزي في الدورة الأولى، على الرغم من تبنّيه شعارات تداعب الرأي العام حالياً، كالهوية الوطنية والجدال حول الإسلام. وربما تأتي خسارته بناءً على تجربته المخيّبة في السلطة في ذلك المجال تحديداً، على مدى خمس سنوات رئيساً سابقاً. يبقى أن فوز فيون حسم اسم المرشح اليميني للانتخابات المقبلة، بعيداً عن النقاشات التي رافقت الانتخابات التمهيدية.
أما على يمين اليمين، فلا انتخابات تمهيدية في صفوف "الجبهة الوطنية"، ذلك أن المرشحة معروفة وهي مارين لوبن. وقد تكون هذه الانتخابات هي الأخيرة التي يقدّم فيها الحزب مرشحه، من دون نوع من الانتخابات التمهيدية، في حال استمرار هذه الآلية في المستقبل.
أما في الوسط، فلم يحسم فرانسوا بايرو خياره بعد. وهو خيار لن يقدم ولن يؤخر فعلياً، لا في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ولا في الدورة الثانية، على اعتبار أن الرجل فقد الكثير من الرصيد السياسي الانتخابي، الذي راكمه من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات، وخصوصاً أن الرقم الذي حققه في انتخابات عام 2007، ونقص الهامش السياسي الذي فرضه ترشح وزير الاقتصاد السابق فرانسوا ماكرون.
اشتراكياً، فتح عزوف الرئيس الحالي عن الترشح لولاية ثانية، الباب أمام رئيس وزرائه مانويل فالس للمسارعة في إعلان نفسه مرشحاً. وهو عزوف سيعطي لليسار قوة أكبر لخوض المعركة الرئاسية. بقي خيار فرانسوا هولاند معلقاً، إلى أن حسمه في وقت يسمح للمرشح الاشتراكي الذي ستفرزه الانتخابات التمهيدية بإدارة حملته بشكل مريح زمنياً، وإن كانت مؤشرات عدة تشي بأن قراره سيذهب بهذا الاتجاه. فهولاند هو أكثر رئيس فرنسي تدنّت شعبيته إلى مستويات قياسية في تاريخ الجمهورية الخامسة، وراكم أكثر من فشل؛ لعل أهمها في المجال الاقتصادي وتحديداً مكافحة البطالة. من الأسباب الأخرى التي دفعت الرئيس الفرنسي إلى العزوف هو صراعه الصامت مع عدد من مكوّنات فريقه، كوزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا، ووزير الاقتصاد السابق الذي استقال، قبل أن يعلن أنه مرشح للرئاسة، وأخيراً مع رئيس وزرائه الذي فعل الشيء ذاته. شكّل كل ذلك اقتناعاً لديه بأنه لن يكون أفضل مرشح يخوض به الحزب الاشتراكي الانتخابات الرئاسية، وأنه إن أصر على ترشحه فسيخوض حزبه الانتخابات برئيس منتهية ولايته ــ مرشح ضعيف جداً لولاية جديدة، أو أنه سيتسبب بشرخ كبير في صفوفه، ما يقطع عليه أي أمل بإيصال مرشح يساري إلى قصر الإليزيه.

عدد المنتخبين
الذين يحق لهم تبنّي ترشيح أحدهم هو 47 ألف شخص

بصرف النظر عن الاستقالة، وعن ترشح فالس للانتخابات التمهيدية، وهو مرتفع الحظوظ فيها، فالأكيد أن الانتخابات التمهيدية يساراً لن تكون جامعة، لأنه لن يشارك فيها عدد من الأحزاب والتشكيلات السياسية التي أعلنت مرشحيها، كالحزب الراديكالي اليساري الذي رشح سيلفيا بينيل، إضافة إلى الحزب الشيوعي الذي يدعم مرشح «حزب اليسار» جان لوك ميلانشون. كلها قوى لن تشارك في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي. يضاف إليها وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون، وهو ما يشكل خروجاً عن إجماع الحزب في تنظيم الانتخابات التمهيدية، وإزعاجاً لسكرتيره الأول ولبقية المرشحين.
وبالإضافة إلى مرشحي الحزبين الأساسيين، اليميني (الجمهوريون) والاشتراكي، و"الجبهة الوطنية" و"حزب اليسار"، هناك عدد من الأحزاب والتشكيلات السياسية التي أعلنت عن مرشحيها، كـ:نيكولا دوبون أنيان، ناتالي أرتان، فيليب بوتو، جان لاسال، راما ياد وغيرهم.
سيحتاج كل هؤلاء إلى تواقيع 500 عراب يتبنّون ترشيحاتهم، تُقدم إلى المجلس الدستوري، قبل منتصف آذار المقبل ضمناً، كي يُعتبروا مرشحين رسمياً. إذاً، بلا هذه التواقيع فالترشح لا يعدو كونه إعلاناً سياسياً لنية الشخص أو التشكيل السياسي خوض المنافسة الانتخابية، يتحوّل إلى ترشيح بالمعنى القانوني، بعد تأمين الشرط الذي وضعه دستور الجمهورية الخامسة لتأمين حدّ أدنى من الصدقية والتمثيلية للمرشح واستبعاد الترشيحات الفقاعية غير ذات القيمة.
من الممكن الجزم من دون مجازفة، بأن عدداً من المرشحين سيتكمن من تأمين العدد المطلوب من التواقيع، ومنهم مرشحو الحزبين الاشتراكي واليميني (الجمهوريون أو les republicains)، إضافة إلى جان لوك ميلانشون ومارين لوبن، بالرغم من الابتزاز السياسي الدرامي الذي تتصنّعه ــ وجان ماري لوبن قبلها ــ عند كل استحقاق رئاسي. بالطبع، سيتمكن مرشحون آخرون من جمع العدد المناسب من التواقيع، كمرشح "حزب الخضر" أو مرشح "الحزب الجديد" المناهض للرأسمالية، مرشح حزب الوسط، مرشح حزب "انهضي فرنسا" وحزب التضامن والتقدم. وإذا قارنّا بعدد المرشحين في الانتخابات الرئاسية الماضية، فسيناهز العدد العشرة.
علماً بأن عدد المنتخبين الذين يحق لهم تبني ترشيح أحدهم هو حوالى 47 ألف شخص، وهو عدد كافٍ نظرياً لثمانين مرشحاً. إنما غالباً ما يرفضون الانخراط في عملية تبنّي الترشيحات، وفق نظام يتعرّض أكثر فأكثر للانتقاد، كونه أصبح قديماً وفقد الكثير من أسباب وتبريرات وجوده.
وإذا اعتبرنا أن أكثر الترشيحات جدية هي للثلاثي: فالس، فيون ومارين لوبن، من دون التقليل من الحجم الانتخابي لمرشحين كجان لوك ميلانشون أو إيمانويل ماكرون، فمن الصعب التكهّن باسم الفائز على مسافة حوالى 6 أشهر من الانتخابات. بالرغم من ذلك، يمكن القول إن ترشيح فالس أعطى اليسار فرصة جدية أكبر لخوض الانتخابات بمرشح غير هولاند. يبقى أن الاستطلاعات الأولية تعطي فيون ومارين لوبن فوزاً في الجولة الأولى، عندها سيكون الأمر محسوماً لفيون في الجولة الثانية، باعتبار أن اليسار والوسط وعدداً من «غير المقرّرين» سيصوتون له بكثافة لمنع وصول مرشحة "الجبهة الوطنية". يبقى هذا كلّه رهن تطورات الحملة الانتخابية، خلال الأشهر الستة المقبلة، ورهن التصويت بطبيعة الأحوال.