لكن افتتان ماركيز لا يتوقف عند إعجابه الشخصي بكاريزما كاسترو، بل بكوبا نفسها، إذ أنجز كتاباً بعنوان «كوبا في زمن الحصار» كان بمثابة بانوراما عن هذا البلد المدهش، وعن زعيم كان خطابه الأول بعد تسلّمه السلطة بطول سبع ساعات متواصلة، من دون أن يثير الضجر في مستمعيه.
من جهته، كان كاسترو بموقع ناشر ماركيز الشخصي لجهة تصحيح بعض المعلومات الواردة في كتبه. لذلك، لم يتردد الأخير بأن يطلع صديقه على مخطوط روايته «الجنرال في متاهته» وينصت إلى نصائحه، وهو ما فعله أيضاً بعد انتهائه من كتابة مذكراته «عشتُ لأروي». وإذا بكاسترو يكتب معلّقاً: «إنه يقوم في هذه المرّة بتقديم بعضٍ من نفسه، بصراحة، ببراءة، بحميّة تظهره مثلما هو عليه في الحقيقة، رجل بطيبة طفل وموهبة كونية، لا نستطيع إلا أن نشكره لأنه عاش هذه الحياة كي يرويها». شغف كاسترو بالأدب والأدباء لا يتوقف عند علاقته بصاحب «الحب في زمن الكوليرا». هناك ورشة كبيرة افتتنت بالرجل ذي السيجار وزيّه الكاكي. هناك همنغواي أولاً الذي أهداه «الرفيق فيديل» منزلاً في هافانا، بعدما أُعجب بروايته «لمن تُقرع الأجراس». أما ريجيس دوبريه، فقد عاش في كوبا بتأثير ثورة كاسترو، قبل أن ينشق عنه ويلتحق بكتيبة تشي غيفارا في بوليفيا، مناصراً حرب العصابات. وسيكتب جان بول سارتر عن الثورة الكوبية مقالات عدة بعنوان «إعصار فوق السكّر» ليتراجع عن موقفه لاحقاً، إثر اعتقال كاسترو كاتباً كوبياً، كذلك علينا أن نتذكّر غراهام غرين وروايته «رجلنا في هافانا» عن مرحلة ما قبل الشيوعية في كوبا. لن يتوانى كاسترو عن هجاء خصومه من الأدباء بعنف، واتهامهم بالتجسس والعمالة للمخابرات الأميركية، وخصوصاً بابلو نيرودا، لكن الكتب التي تناولت سيرته من موقع مضاد ستتراكم طرداً مع طول إقامته في السلطة، فهو وفقاً لهؤلاء ديكتاتور آخر استثمر «السحر الخادع للثورة» من دون أن يهتم بعزلة كوبا. لعلها قسوة التاريخ أولاً وأخيراً.
أهدى «الرفيق فيديل» أرنست همنغواي
منزلاً في هافانا