عدا عن تعزيزه لصورة «ملكية» لرئاسته، فإن أبرز ما استنتج من خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمام مجلسَي النواب والشيوخ في قصر فرساي، أمس، هو دعوته إلى خفض عدد النواب وإدخال النسبية في النظام الانتخابي، في خطاب اعتبرته معظم القوى السياسية بأنه عام ولم يتّسم بالوضوح.
وقبل يوم من طرح رئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، سياسة السلطة التنفيذية أمام البرلمان، عرض ماكرون الخطوط العريضة لعهده في خطاب طويل، وهي خطوة أثارت جدلاً وانتقادات من اليسار واليمين لتكريسها صورة التوجهات «الملكية» للرئيس الجديد.
واستهل ماكرون خطابه الطويل بالإشارة إلى المادة 18 من الدستور التي تتيح للرئيس مخاطبة البرلمان، بعدما لم يكن يحق له ذلك حتى التعديل الدستوري عام 2008، وبذلك يكون ماكرون ثالث رئيس فرنسي يلقي خطاباً أمام البرلمانيين في فرساي، بعد خطاب رسمي ألقاه فرنسوا هولاند بعد ثلاثة أيام على اعتداءات تشرين الثاني 2015، وخطاب نيكولا ساركوزي عام 2009.

كرّس ماكرون تقليداً جديداً بالتوجه إلى البرلمان سنوياً

واتسم الخطاب الذي وصفه أحد نواب اليمين بأنه «بلا فائدة» بالقوة في ما يتعلق بالمبادئ العامة والحديث عن تغيير «عميق» للاستجابة لمطالب الفرنسيين. وأبرز ما تحدث عنه ماكرون هو رغبته في إدخال قدر من التمثيل النسبي على الانتخابات البرلمانية التي ستجرى مستقبلاً، وكذلك رغبته في خفض عدد المشرعين بنسبة الثلث وإلغاء محكمة مختصة بمقاضاة الوزراء. وأوضح أنّ «برلماناً فيه عدد أقل من النواب، غير أنه يحظى بوسائل معززة، هو برلمان يصبح العمل فيه أكثر سهولة»، داعياً إلى «التحرك» و«الفاعلية» على جميع مستويات السلطة.
وأكد نيته «تنفيذ كل تلك الإصلاحات الجذرية التي تحتاج إليها مؤسساتنا بشدة خلال عام... ستطرح هذه الإصلاحات على البرلمان، لكن إذا اقتضت الضرورة سأطرحها على الناخبين من خلال استفتاء».
وبدا جلياً أن ماكرون يستمد ثقة كبيرة من أغلبيته البرلمانية، بدعوته إلى اعتماد «نهج جديد تماماً» يقوم على تحول «عميق» من خلال إصلاح مؤسسات البلاد «خلال عام»، مؤكداً أنه «على اقتناع راسخ بأن شعبنا، من خلال الخيارات التي اتخذها أخيراً، يطلب منّا اتباع نهج جديد تماماً».
كذلك، كرّس ماكرون تقليداً جديداً بالتوجه إلى البرلمان سنوياً، إذ شدّد على «تقديره» للبرلمان، واعداً بالعودة إليه «كل سنة» من أجل «عرض حصيلة» عمله، على غرار الخطاب حول حال الاتحاد الذي يلقيه الرئيس الأميركي سنوياً أمام الكونغرس، في مقابل تخليه عن المقابلة التلفزيونية التقليدية في 14 تموز، يوم العيد الوطني الفرنسي.
على الصعيد الأمني، أعلن أنه يعتزم رفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد في الخريف، كاشفاً عن «تدابير معززة لمكافحة الإرهاب». وتابع أن هذه «التدابير المعززة» التي سيصوت عليها البرلمان «ستوضع تحت مراقبة قاضي الحريات الفردية، في ظل الاحترام الكامل والدائم لمطالبنا الدستورية وتقاليد الحرية التي نتبعها»، مستجيباً بذلك لمطلب العديد من المدافعين عن الحريات القلقين من تزايد سلطات القضاء الإداري. وأشار إلى أن البرلمان سيدعى إلى التصويت على تدابير جديدة لمكافحة الإرهاب، معتبراً أن «منح الإدارة سلطات غير محدودة على حياة الأفراد من دون أي تمييز، أمر لا معنى له على الإطلاق، لا على صعيد المبادئ، ولا على صعيد الفاعلية». وأضاف أنّه يود أن يكون «بوسع البرلمان التصويت على هذه التدابير الجديدة التي ستعزّز موقعنا أكثر في كفاحنا. ينبغي أن تستهدف صراحة الإرهابيين، باستثناء جميع الفرنسيين الآخرين».
لكن خطاب ماكرون، الذي لا يخفي رغبته في ترميم عظمة المنصب الرئاسي، لم يلق الترحيب من عدد من القوى السياسية في البلاد، إذ فيما وصفته رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبن بأنه ضبابي، اعتبره رئيس حزب «فرنسا المتمردة»، جان لوك ميلانشون، بأنه عبارة عن «سيل هائل من الأمور البديهية».
وقاطع نواب «فرنسا المتمردة» والنواب الشيوعيون الجلسة احتجاجاً، فيما اعتبر ميلانشون في وقت سابق أن ماكرون «تخطى عتبة في ضخامة حجم الملكية الرئاسية». أما النواب الشيوعيون، فقد تظاهروا أمام بلدية فرساي تعبيراً عن موقفهم الرافض لخطوة الرئيس.
من جهة ثانية، يواجه ماكرون انتقادات من الصحافة، التي عمدت السلطة الجديدة إلى إبعادها برفضه التحدث إليها في اليوم الوطني الفرنسي في 14 تموز. واختارت صحيفة «ليبيراسيون»، للتعبير عن انتقادها لتوجهات ماكرون، وضع رسم للرئيس الفرنسي يماثل فيه الإله الروماني جوبيتير على غلاف عددها، أمس، في إشارة إلى توجهه السلطوي، فيما عنونت قبل ثلاثة أيام أن «ماكرون، ملك بلا منازع». كذلك، كتبت صحيفة «لو باريزيان»، أول من أمس، أن ماكرون «الرئيس الفائق، يقرر كل شيء، يحتكر الكلام ويسيطر على الاتصالات».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)