حقّق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ما أراد، «توازناً» في العلاقات بين الجوار، وخصوصاً بين السعودية وإيران. في جولته الأخيرة، والتي تُختتم اليوم في الكويت، سعى إلى طي صفحةٍ مُلئت بالتوتّر مع السعودية، والاستفادة من قدراتها الاستثمارية في بلاد الرافدين، لتحقيق نموٍّ اقتصادي. الصبغة الاقتصادية التي اتسمت بها الزيارة لا يُمكن عزلها عن جانبها السياسي، من حيث التوقيت والمرحلة التي يمر بها العراق، والمنطقة.
فالضغوط السعودية التي تعرّض لها العبادي قبيل زيارته للمملكة، فرضت عليه إجراءً يُبعد عنه «شبهةً قاتلة». لذا كان خيار زيارة طهران، بعد لقاءٍ عُقد في بغداد الأسبوع الماضي بين شخصيةٍ إقليمية وازنة والعبادي، أسفر عن ترتيب جدول أعمالٍ، بهدف الحفاظ على العبادي من «خصومه» السياسيين، وخاصّةً أن إيران لا تمانع من أن «يغرّد العبادي خارج محورها، نوعاً ما، لكنها حريصةٌ على أن لا يدخل الخيمة السعودية».

اتفقت بغداد والرياض
على تأسيس مجلس
تنسيقي ـ استراتيجي

وفي مقابل «الطابع الاقتصادي» لزيارة المملكة، فإن زيارته لطهران كان لها طعم إضافي، عبر موقف سياسي «سُرّب» للمرشد آية الله علي خامنئي، حمل رسالةً واضحةً للعراق وإقليم كردستان. وفي خلال استقباله العبادي، أشاد خامنئي بـ«وحدة وتلاحم جميع التيارات السياسية والدينية العراقية في محاربة داعش»، واصفاً «الحشد الشعبي بأنه ظاهره مهمة ومباركة وعنصر اقتدار في العراق». وأكّد على ضرورة «صيانة وحدة التراب العراقي»، داعياً العبادي إلى «توخّي الحذر إزاء الأميركيين، وعدم الثقة بهم مطلقاً، لأن أميركا وأذنابها يعارضون استقلال العراق وهويته ووحدته».
موقف خامنئي جاء بمثابة دقّ لـ«ناقوس خطر» لمرحلة «ما بعد داعش» في العراق. وإلى جانب الحضور الإيراني في ميدان الحرب ضد «داعش»، فإن طهران يقلقها أي محاولةٍ حقيقيةٍ يقودها رئيس الإقليم مسعود البرزاني لاستقلال الإقليم، والذي يتمسّك بالمضي قدماً في هذا الخيار. وكان واضحاً الجهد الحثيث الذي يبذله قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الجنرال قاسم سليماني، في زياراته المتكرّرة للإقليم، ولقاء قادته لمواجهة أي خطوةٍ «مجنونة» قد يُقدم عليها البرزاني، وهو أمرٌ «لن تسكت طهران عنه»، كما ينقل عن مصادر متابعة. وكسب الجانب الاقتصادي، من الزيارة، حصّة الأسد، وخصوصاً الملفات التجارية، والسياحية، والطاقة، والاستثمار. وشدّد الجانبان على «أهميّة توسيع علاقات التعاون وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة»، وخصوصاً «زيادة صادرات الغاز، وإنشاء خط سكك الحديد بين شلمجة والبصرة».
وبالعودة إلى زيارة السعودية، فقد أعلنت في بيانٍ مشترك مع العراق، أمس، عن اتفاقٍ يدعو إلى تكثيف العمل المشترك لـ«مواجهة التحديات السياسية والأمنية التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمها مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب». وأكّد البيان على «أهمية تجفيف منابع الإرهاب وتمويله»، حيث عبّر عن «تصميم البلدين على مواصلة جهودهما الناجحة لمحاربة التنظيمات الإرهابية». وكان لافتاً الاتفاق على «تأسيس مجلس تنسيقي بينهما للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي المأمول، وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسية، والأمنية، والاقتصادية، وغيرها...»، إذ عبّر العبادي عن «تقدير حكومة بلاده للمملكة السعودية على ما أبدته من دعم للجهود المبذولة في إعادة إعمار العراق».
(الأخبار)