لم تُغطِّ «محاولة الهجوم» التي شهدتها جادة الشانزيليزيه في العاصمة الفرنسية باريس أمس، على مفاعيل اكتساح حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، للجمعية الوطنية في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد.
وفي ما وُصف بأنه «تسونامي انتخابي»، حقق حزب «الجمهورية إلى الأمام» الرئاسي وحليفه «الحركة الديموقراطية»، غالبية مطلقة مريحة في الجمعية الوطنية، واكتسحا الأحزاب المنافسة مع حصولهما على 350 مقعداً من أصل 577، من بينها 308 مقاعد لحزب ماكرون وحده.
وكان لهذه النتائج صدى مهم في القارة الأوروبية، إذ سارعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي ستخوض قريباً بدورها استحقاقاً انتخابياً، إلى تهنئة ماكرون على «الغالبية النيابية الواضحة» التي فاز بها، وفق ما ذكر المتحدث باسمها، فيما رأى وزير خارجيتها سيغمار غابريال، أنّ الطريق باتت «سالكة أمام الإصلاحات».
ويبدو أنّ عبارة «الإصلاحات» التي استخدمها الوزير الألماني، ستشكل مرتكزاً لفهم ما يطمح الثنائي ميركل ــ ماكرون إلى تنفيذه على مستوى الاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة، في وقت سيسعى فيه الرئيس الفرنسي إلى تنفيذ «ورشة إصلاحات» محلية، لا بد أن تستند إلى سياسات تقشفية قاسية. وكان نقابي فرنسي قد لخص «ورشة ماكرون» بالقول، إنّها «تكرر وصفات رأسمالية»، وترتكز على ثلاثة توجهات: «أن يعمل الناس لأوقات أطول، في مقابل مردود مادي أقل، وذلك في ظل وجود قانون يسمح بالصرف التعسفي، بأقل التكاليف».

وزير الداخلية: تُظهر الحادثة أن التهديد لا يزال مرتفعاً جداً

لكن على الرغم من الفوز الساحق لفريق ماكرون، شددت صحف فرنسية صدرت صباح أمس، على أنّ هذه الغالبية لا تعني أن الناخبين منحوا الرئيس تفويضاً مطلقاً «لإجراء إصلاحاته»، خاصة في ضوء تسجيل نسب مقاطعة تاريخية للاستحقاق التشريعي (57% في الدورة الثانية).
مشهد اكتساح ماكرون وفريقه للانتخابات، اخترقته حادثة الشانزيليزيه، التي كادت أن تُعكّر صفو الفريق الرئاسي المنتشي بانتصاره. وفي التفاصيل، فقد صدمت «سيارة مليئة بقوارير غاز» شاحنة للشرطة في الجادة الباريسية، ما أدى إلى اشتعال النار في السيارة ومقتل السائق، في حادث وصفه وزير الداخلية بأنه «محاولة هجوم». وذكرت مصادر في الشرطة أنه عُثر على «قوارير غاز ومسدسات ورشاش كلاشنيكوف في سيارة المهاجم، وهي من طراز رينو ميغان».
وأظهر تسجيل فيديو الدخان البرتقالي يتصاعد من السيارة بعد الاصطدام، فيما وقفت السيارة وسط الجادة التي تُعَدّ معلماً سياحياً يرتاده الكثيرون في العاصمة الفرنسية، وتضم العديد من المتاجر ودور السينما.
وفي تعليق على الحدث، قال وزير الداخلية جيرار كولومب، إنه «جرى استهداف قوات الأمن في فرنسا مرة أخرى»، واصفاً الحادث بأنه «محاولة هجوم» (قام بها شخص يُدعى كريم الشرفي، وفق وسائل إعلامية). وقال كولومب إن الأسلحة والمتفجرات التي عثر عليها في السيارة «يمكن أن تؤدي إلى انفجار»، مضيفاً أنّ الهجوم «يُظهر مرة أخرى أن تهديد (وقوع هجوم) لا يزال مرتفعاً جداً في فرنسا».
وفي تبعات الحادثة التي لم يصب فيها أي من عناصر الشرطة أو المارة، أغلقت الشرطة محطتي مترو في الشانزليزيه، لكن بعد ساعتين من الهجوم، عاد السياح إلى الجادة الشهيرة في قلب باريس.
وبينما يُنتظر أن تعلن الحكومة الفرنسية «قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب»، توجه جيرار كولومب إلى «الذين يشككون في ضرورة مثل هذه القوانين»، قائلاً: «تستطيعون أن تروا أن حالة فرنسا اليوم تتطلب ذلك». وأضاف: «إذا أردت ضمان أمن مواطنينا بشكل فعال، فعلينا أن نكون قادرين على اتخاذ عدد من الإجراءات».
وتأتي هذه الحادثة بعد شهرين على مقتل رجل شرطة بإطلاق النار عليه في هذه الجادة الشهيرة، قبل ثلاثة أيام من الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية. وفي السابع من الشهر الجاري، كانت الشرطة قد أطلقت النار على شخص كان يحمل مطرقة، وذلك بعدما ضرب شرطياً في الرأس أمام «كاتدرائية نوتردام» في باريس (أعلنت الشرطة أنّ المهاجم كان قد بايع «داعش»، وذلك بعد العثور في منزله على تسجيل فيديو يؤكد الأمر).
(الأخبار، أ ف ب)