شكّلت الاتهامات التي وجّهها أمس المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي آي» جيمس كومي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مادة إعلامية دسمة، إلا أنها لم تُقدّم كشفاً كبيراً يُدعِّم مسألة اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ فعلى مدى نحو ساعتين ونصف ساعة، اقتصرت أجوبة كومي أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ على ما قد نُشر تقريباً في الإعلام في وقت سابق.
إلا أنّ أداء المدير السابق للـ«أف بي آي»، الذي أقاله ترامب في بداية الشهر الماضي من منصبه، واستناده في أجوبته وحديثه إلى «مذكرات» كان يدوّنها عقب كل لقاء مع الرئيس الأميركي، ساهما في رسم صورة رئيس متغطرس و«كاذب» ولا يدرك المسافات التي تفصل كل مؤسسة عن أخرى.
وفي مقالة لماتسياس شفارتز وراين ديفورو، على موقع «انترسبت» الأميركي، رأى الكاتبان أنّ جيمس كومي سجّل «أداءً لافتاً عند إدلائه بشهاداته... إذ قدّم عرضاً متزناً وبدم بارد لما يُعتبر قضية بُنيت بدقّة ضد الرئيس دونالد ترامب». وأضافا أنه أثناء الجلسة، أظهر كومي «صورة الرجل الحكومي اللائق الذي يقوم بواجبه، في تباين واضح مع أجواء الابتذال والمصلحة الذاتية الصرفة التي جلبها ترامب إلى المكتب البيضاوي».

ترامب لمناصريه:
أريد أن أقاتل من
أجل الأميركيين، وسننتصر

وخلال شهادته التي أدّاها تحت القَسَم أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، قال كومي إنّه «صُدِم» بسلوك ترامب «المزعج جداً» و«المقلق جداً» خلال العديد من الاجتماعات الخاصة، إضافة إلى أنه دعاه صراحة أثناء أحد الاجتماعات إلى عدم «تمييع الحدود الفاصلة بين البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفدرالي».
وفي قاعة غصّت بالحضور، بدأ كومي عرض روايته لمحادثاته الخاصة مع الرئيس الاميركي، في جلسة وفّرت شبكات ومحطات الأخبار تغطية شاملة لها. وقال: «أعتقد أنه تمت إقالتي بسبب التحقيق في (التدخل) الروسي» في الانتخابات الأميركية، مشيراً إلى أنه يعتقد أيضاً أن ترامب أراد منه وقف تحقيق لمكتب التحقيقات بشأن مستشاره السابق مايكل فلين، الذي كان ضمن التحقيق الروسي. وروى كومي الذي كان من المتوقع أن يشارك في جلسة سريّة عقب الجلسة العلنية، أن ترامب قال له خلال لقاء على انفراد في البيت الابيض في 14 شباط: «آمل أن تجد طريقة... لترك فلين وشأنه. إنه رجل صالح»، الأمر الذي نفاه الرئيس الأميركي في ما بعد.
وسبق ذلك أن ذكر المدير السابق لـ«أف بي آي» أنه في عشاء خاص في 27 كانون الثاني، بعد أيام من تولّي ترامب مهماته، طالبه الرئيس بـ«الولاء». وبينما أكد أنه عندما غادر الـ«أف بي آي» الشهر الماضي، لم يكن ترامب خاضعاً بشكل شخصي لتحقيق جنائي أو تحقيق يتعلق بمكافحة الإرهاب، لفت إلى أنه «رغم أن القانون لا يتطلب أيّ سبب مطلقاً لإقالة مدير الأف بي آي، فقد اختارت الإدارة التشهير بي، والأهم، التشهير بالأف بي آي من خلال القول إن المنظمة تعاني من الفوضى، وإنها تقاد بشكل سيّئ، وإن الموظفين فيها فقدوا الثقة بمديرها».
وفي السياق، أشار إلى أن المحقق الخاص هو الذي سيقرر ما إذا كانت تصرفات الرئيس تُعتبر «عرقلة للعدالة»، وهي المخالفة التي تتيح إمكانية التحقيق مع الرئيس بهدف عزله، الأمر الذي يسعى إليه الديموقراطيون. وإذا تحقق ذلك أو لا، ففي تعليق على الجلسة، كتب دان بلز في «واشنطن بوست» أنّ التحقيق المتواصل في مسألة التأثير الروسي على الانتخابات الرئاسية «شهد منعطفاً دراماتيكياً (أمس)... إذ للمرة الأولى ينتقل اهتمام الجميع إلى داخل البيت الأبيض، خاصة باتجاه مسائل كيفية إدارة الرئيس لمكتبه»، وذلك بعدما كان الاهتمام منصبّاً حول ما حصل قبل الانتخابات وحول مسائل جرت خارج أسوار الحكم.
من جهة أخرى، تجنّب ترامب الرد مباشرة على اتهامات كومي، وقال لأنصاره أثناء حدث ديني في العاصمة: «سنقاتل وننتصر». وأضاف «لديّ هدف، هو أن أقاتل من أجل الأميركيين ومن أجل أميركا أولاً... الرجال والنساء المنسيّون لن يكونوا منسيين بعد اليوم»، مستعيداً بذلك أحد شعارات حملته الانتخابية.
أما محامي الرئيس الشخصي مارك كاسوفيتز، فرأى أن شهادة كومي «أثبتت أن الرئيس لم يكن قيد أي تحقيق»، وأنه لا يوجد «أي دليل» على أن صوتاً واحداً في انتخابات الرئاسة الأميركية جرى تغييره كنتيجة للتدخل الروسي في تلك الانتخابات. ونفى كاسوفيتز أن يكون ترامب قد أبلغ في أي وقت كومي أنه يتوقع ولاءه ويحتاج إليه. وهاجم أيضاً المدير السابق لمكتب التحقيقات لقوله إنه سرّب تفاصيل محادثة مع الرئيس. وقال: «سنترك الأمر للسلطات المختصة» لتقرير ما إذا كان تسريب كومي «يجب التحقيق فيه إلى جانب كل أولئك الآخرين الذين يشملهم التحقيق». وكان كومي قد أوضح أثناء الجلسة أنه طلب من صديق له في كلية كولومبيا للحقوق أن يرسل ملاحظات سجلها، إلى صحافي، وذلك بعدما أقاله ترامب في التاسع من أيار. وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً يستند إلى الملاحظات، في 16 أيار، وفي اليوم التالي تمت تسمية مدير الـ«اف بي آي» السابق روبرت مولر، محققا خاصا لتولي التحقيق. وأضاف: «لم أفعل ذلك بنفسي لعدة أسباب، ولكنني طلبت منه لأنني اعتقدت أن ذلك سيسرع في تعيين محقق خاص» لإجراء التحقيق في «التواطؤ المحتمل» بين حملة ترامب وروسيا في انتخابات الرئاسة 2016.
(الأخبار)