إسطنبول | يعقد البرلمان التركي المنتخب اليوم أول اجتماعاته الرسمية ليؤدي أعضاؤه الجدد اليمين الدستورية. وسيترأس زعيم حزب «الشعب الجمهوري» السابق، دنيز بايكال، الجلسة، بصفته الأكبر سناً، حتى انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلال فترة أقصاها ١٠ أيام. وسيكون انتخاب الرئيس الجديد مؤشراً مهمّاً على شكل التحالفات المستقبلية، إذ إنه على أي مرشح الحصول على تأييد ثلثي أعضاء البرلمان في الجولتين الأولى والثانية، وإلا فسوف يتم انتخابه بغالبية النصف زائداً واحداً.
وهو ما سيعني تحالف «العدالة والتنمية» (٢٥٨ مقعداً) مع أيٍّ من الأحزاب الثلاثة لضمان فوز مرشحه، وذلك في حال لم تتفق الأحزاب الثلاثة على مرشح مشترك. وتتوقع الأوساط السياسية لحزب «الشعب الجمهوري» (١٣٢ مقعداً) أن يرشح بايكال لرئاسة البرلمان، فيما قد يرشح حزب «الشعوب الديمقراطي» (٨٠ مقعداً) نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية» السابق دانكير مير محمد فرات لهذا المنصب، وسيتنافس من أجله أيضاً عن حزب «الحركة القومية» (٨٠ مقعداً) الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو أو نائبة رئيس البرلمان السابق ميرال أكشانار. أما عن «العدالة والتنمية»، فقد يتم ترشيح أحد نواب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو.
ائتلاف «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» لن يكون بلا عثراتً

يأتي ذلك في وقتٍ يستمر فيه الحديث عن السيناريوات الخاصة بالائتلاف الحكومي الجديد، والمتوقع له أن يكون بين «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، أو بينه وبين «الشعب الجمهوري». واستبعدت تصريحات زعيم حزب «الحركة القومية»، دولت بهشلي، أي ائتلاف بين حزبه وحزب «الشعوب الديموقراطي»، على اعتبار أنه «امتداد لحزب العمال الكردستاني» الذي يعتبره الحزب اليميني المتشدد «إرهابياً وخطراً على الأمة التركية». هذا الموقف يُعدّ كافياً لترشيح «الحركة القومية» لكي يكون شريك «العدالة والتنمية»، بعد تصريحاتٍ سابقة للرئيس رجب طيب أردوغان ولداوود أوغلو خلال الحملة الانتخابية، هاجما فيها «الشعوب الديموقراطي» و«العمال الكردستاني»، حيث قال أردوغان إنه «ليس في تركيا شيءٌ اسمه المشكلة الكردية». كذلك، رفض بهشلي «عرضاً» من زعيم «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، بتسليمه رئاسة الوزراء في حال شكل الحزبان ائتلافاً حكومياً، قائلاً في مقابلةٍ صحافية قبل يومين: «هذه ليست لعبة أطفال، نحن لا نركض خلف طموحاتٍ صغيرة».
وإلى جانب هذا التأكيد، تحدثت معلومات عن «شبه اتفاق» بين الطرفين مقابل حصول «الحركة القومية» على ٦ حقائب وزارية، منها وزارة الداخلية المهمة، لا سيما بعد التطورات التي شهدها الشمال السوري وسيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية على الشريط الحدودي السوري مع تركيا بطول ٥٠٠ كلم. هذه التطورات تجعل من اتفاق «العدالة والتنمية» سهلاً مع «الحركة القومية» حول أي مشروع سياسي أو عسكري تركي في سوريا ضد الأكراد، أو بحجة حماية حقوق التركمان التي طالما تغنّى بها القوميون الأتراك، خصوصاً أن «الحركة القومية» لم يعترض بشدّة على سياسات الحكومة في ملفات سوريا والعالم العربي، خلافاً لـ«الشعب الجمهوري» الذي طالما شدد على ضرورة تغيير السياسة الخارجية التركية بأكملها ووقف كل أنواع الدعم للتنظيمات المتطرّفة في سوريا. ورغم هذا الواقع، فإن ائتلافاً محتملاً بين «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» لن يكون بلا عثرات، لا سيما أن بهشلي شدد أكثر من مرة على خطوط حمر لدى حزبه، لن يتخلّى عنها، منها فتح ملفات الفساد من جديد واستبعاد أردوغان من اللعبة السياسية والتخلي عن أي حوار مع الأكراد. ويرى المراقبون في الشروط الثلاثة الكثير من الصعوبات بالنسبة إلى «العدالة والتنمية» الذي لن يجرؤ على المساومة على صلاحيات أردوغان، كما أنه لن يستطيع التراجع عن مسيرة السلام مع الأكراد بسهولة، خصوصاً بعد القوة التي وصل إليها «الشعوب الديمقراطي» من قوة برلمانية وشعبية واسعة.
يبقى الرهان في هذا المجال على الموقف الاميركي المعروف بتأثيره في مجمل الحسابات السياسية. هذا الموقف سيأتي بالتوازي مع حسم واشنطن موقفها لمصلحة أيٍّ من السيناريوات ذات العلاقة بالتطورات الإقليمية، خصوصاً في ما يتعلق بسياسات الحكومة الجديدة تجاه سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها. ومن المتوقع أن تحسم واشنطن هذا الموقف في الأيام القليلة المقبلة بعد انتهاء مفاوضاتها مع إيران حول الملف النووي. فسوف يكلّف الرئيس أردوغان داوود أوغلو، بصفته زعيم أكبر حزب سياسي، بتشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس البرلمان، أي بداية الأسبوع المقبل. وفي حال فشل داوود أوغلو في هذه المهمة، على زعيم «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو أن يؤلف الحكومة خلال فترة أقصاها ٤٥ يوماً. وفي حال فشل الزعيمان، يعلن أردوغان عن انتخابات برلمانية مبكرة بعد ٩٠ يوماً. ويبدو واضحاً أن أردوغان سوف يرجّح مثل هذا الاحتمال حتى يتسنّى له التوجه إلى الأتراك بالقول: «لقد فشلت الأحزاب السياسية في الاتفاق، وما عليكم إلا أن تعودوا إلى العدالة والتنمية، وتصوّتوا له بصورةٍ أكبر ليعود إلى وضعه السابق ويشكل الحكومة بمفرده، ويعود الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى البلاد».