أول من أمس، انحصر خيار الناخبين الفرنسيين بين مرشحين: مارين لوبن عن اليمين المتطرّف، وإيمانويل ماكرون المصرفي الآتي من خارج أحزاب السلطة. خياران وضعا مختلف المراقبين أمام خلاصة مفادها أن ما قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية للعام 2017 ليس كما بعدها.
وممّا استوحاه الإعلام الغربي، تعقيباً على الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية وبانتظار الجولة الثانية التي ستقام في السابع من أيار، هو أن فرنسا أحدثت قطيعة شبه تامّة مع الجمهورية الخامسة، تمثّلت بابتعاد الناخبين عن أي من الأحزاب التقليدية التي كانت الدعائم الأساسية لهذه الجمهورية. ولكن الخلاصة الأخرى التي توصّلوا إليها، تمحورت حول تقدّم ماكرون الذي ترك بصيص أمل للاتحاد الأوروبي، سيتحوّل بعد انتخابه في أيار إلى طوق نجاة لهذه المنظومة من مصير الانهيار المحتّم الذي وعدتها به لوبن، بشكل غير مباشر، بدعوتها إلى خروج فرنسا منها.
بالنسبة إلى غالبية الصحف الأميركية والبريطانية، بثّ تقدّم ماكرون شعوراً بالتفاؤل بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي، الذي تتهدّده الحركات الشعبوية واليمينية المتطرّفة المعادية له. كارولين مارتيمر كتبت في «ذي أندبندنت» أن هذه الانتخابات كانت «الأكثر إثارة للصدمة وغير متوقعة في التاريخ الفرنسي الحديث»، متوقعة في الوقت ذاته فوز ماكرون.

سيكون انتخاب ماكرون مكلفاً لبريطانيا في مفاوضات «البريكست»

كذلك الأمر بالنسبة إلى ماري ديجيفسكي في الصحيفة ذاتها، التي رأت أن «رئاسة ماكرون ستؤشّر إلى بداية جديدة لفرنسا»، معتبرة أن «رئيساً يعكس صورة حديثة ومتقدمة، ومناصرة بشدة لأوروبا، سيشكل خبراً جيداً للاتحاد الأوروبي».
صحيفة «ذا غارديان» كتبت في افتتاحيتها أن «الجولة الأولى من السباق إلى الإليزيه، أدت إلى هزيمة أحزاب ما بعد الحرب (العالمية الثانية)»، معتبرة أن «فرنسا صوّتت من أجل التغيير». ورأت أن نتيجة هذه الجولة «تعكس انقلاباً سياسياً عصرياً»، مضيفة أنه «للمرة الأولى في حوالى 60 عاماً من تاريخ الجمهورية الخامسة، ستكون الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين مرشحين دخيلين».
لم تقف الصحيفة البريطانية عند هذا الحد، فقد انتقلت إلى وصف الوضع الراهن، بأنه «هزيمة أحزاب النظام (establishment)، وإذلال لسياسات فرنسا المعاصرة من اليسار واليمين». وفيما لمحت إلى الاحتمال الكبير لفوز ماكرون في الجولة الثانية، فقد أكدت أنه «يجب أن لا يُستهان بحقيقة أن لوبن وصلت إلى الجولة الثانية»، مشيرة إلى أنها «حتى ولو خسرت، لكن ذلك لا يلغي واقع أن الجبهة الوطنية تقف على حافة تقدّم تاريخي في الانتخابات البرلمانية، التي ستجرى في حزيران».
مصير أوروبا هو الشغل الشاغل بالنسبة إلى الإعلام الغربي، في مواجهة هذا الاستحقاق المصيري الذي تجريه فرنسا على مستقبلها ومستقبل القارة العجوز والمنظومة الأوروبية. وفي هذا الإطار، رأت «ذا غارديان» أن «من المثير للاهتمام رؤية لوبن مهزومة، والتوصل إلى خلاصة مفادها أن القيم الأوروبية الليبرالية تعاضدت من أجل التمكّن من إيقاف توجّهٍ آخر نحو اليمين العنصري». لكن الصحيفة أضافت أن «التهديد الذي يشكله اليمين الفرنسي المتطرّف وغيره من الحركات الأوروبية المتطرفة لم ينتهِ»، مشددة على أنه «يجب على فرنسا، الآن، أن تقف مجدداً خلال الأسبوعين المقبلين وتُتم المهمة بانتخاب ماكرون».
يبقى على ماكرون أن يقدّم قضيّته الأوروبية، خلال الأسبوعين المقبلين، في وجه طروحات مارين لوبن المعادية لأفكاره. وفيما يرى البعض أنه سيتمكن من ذلك في ظل تجيير أصوات اليمين الوسط له، إلا أن البعض الآخر يتساءل عن عدد الأصوات الإضافية التي قد تتمكن لوبن من تحصيلها من الناخبين الفرنسيين، الذين يتفوّق لديهم الشعور بخيبة الأمل من الاتحاد الأوروبي، على نفورهم من «الجبهة الوطنية»، التي تمثلها.
«ذي نيويورك تايمز» الأميركية رأت في افتتاحيتها أن «إيمانويل ماكرون يصعد في التحدّي الوطني أمام مارين لوبن»، لكنها أشارت إلى أن حزب هذه الأخيرة «المعارض للهجرة سيبقى بالتأكيد قوياً، طالما أن البطالة الفرنسية ترتفع، وطالما يشعر الفرنسيون بأنه جرى التخلي عنهم من قبل النخبة، وبالتالي ليس لديهم أمل أفضل».
أما صحيفة «ذي واشنطن بوست» فقد نقلت فكرة زميلتها على نحو مختلف، معتبرة أن «الناخبين الفرنسيين يواجهون خياراً بين الأمل والخوف»، مشيرة إلى أن «الحملات الانتخابية التي قدمت خيارات متناقضة، بشكل كبير، انحصرت في معركة بين مرشح روّج للأمل بأمة أكثر انفتاحاً، ومرشحة حذّرت بقوة من أن العولمة ستدمّر فرنسا». وخلصت الصحيفة إلى أن «الانتصارين من قبل الدخيلين، يعدان دليلاً على مدى الاشمئزاز الذي وصل إليه الناخبون من سياسيي الاستابليشمنت».
من جهته، غرّد بيتر فوستر في «ذي ديلي تلغراف» خارج السرب، معتبراً أن انتخاب ماكرون سيكون مكلفاً على محادثات الـ«بريكست»، وخصوصاً أنه ينظر إلى قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي على أنه تهديد، وكان قد دعا إلى مقاربة قاسية لهذا القرار، الذي وصفه بـ«الجريمة».
(الأخبار)