فتحت كنيسة تشارلستون في ولاية كارولاينا الجنوبية أبوابها، أمس، أمام المصلّين الذين شاركوا في أول صلاة تقام منذ المجزرة التي شهدتها، الأربعاء، والتي أسفرت عن مقتل تسعة مواطنين سود، بيد الشاب الأبيض ديلان روف (21 عاماً). ولكن الأبواب التي فُتحت ــ منذ وقوع الجريمة ــ أمام النقاش حول العنصرية في الولايات المتحدة، قد تحتاج إلى بعض الوقت كي تُقفل، خصوصاً بعدما بدأت تتطرق إلى تاريخ هذا الكره العنصري.شارك المئات من الأشخاص في الصلاة، أمس، سواء داخل «كنيسة عمانوئيل» الأفريقية الأسقفية الميثودية أو خارجها، حيث ألقى قسيس كلمة ندّد فيها بـ«الشيطان» ديلان روف. والتأثر الذي بدا واضحاً على جميع المشاركين، عملت قنوات التلفزة الأميركية على إبرازه من خلال النقل المباشر، بعدما كانت المجزرة قد أثارت صدمة في كافة أنحاء أميركا، الأمر الذي ردّه عدد من الصحف إلى حقيقة أن الحاضر الأميركي لم يخرج قط من تاريخه العنصري.

«تاريخنا العنصري لم يعُد، هو لم يتركنا أبداً»، كتبت ريبيكا تريستر في صحيفة «نيو ريبابليك»، معتبرة أن روف، بارتكابه هذه الجريمة، سدّد إلى الولايات المتحدة الدفعة الأخيرة من الدرس التاريخي «الذي نرفض، بعناد، تعلّمه»، وهو أن «ماضينا العنصري ليس ماضياً، إنه حاضر، لا ينتهي».
تريستر أضافت أن هذا الماضي يتجلى «بأساليب عدة غير قادرين، خلقياً، على الاعتراف بها، وغير قابلة للتغيير».
وهي إذ أشارت إلى «أننا لسنا بعيدين عن الجرائم والبربرية التي كانت موجودة في الماضي»، فقد أوضحت في هذا الإطار «أننا ما زلنا نقوم بها (الجرائم) ونرفض تقبّلها على ما هي عليه»، لتستخلص أنها «خطيئة البلاد الأصلية وهي التي تحدد هويتها».
ألانا سامويلز، أيضاً، تتبعت الخط التاريخي للتمييز العنصري في الولايات المتحدة، انطلاقاً من تساؤل أساسي وهو «هل تخلّت أميركا عن حلم الاندماج العرقي؟».
كتبت سامويلز في مجلة «ذي أتلانتك»، أنه «في كافة أنحاء البلاد (الولايات المتحدة)، المجتمعات منقسمة بشكل حاد، فالأميركيون من أصل أفريقي يعيشون في جزء، والبيض في جزء آخر»، مشيرة إلى أن «عدداً كبيراً من الناس يبدون راضين بذلك».
وللاستخلاص أن شيئاً لم يتغيّر، تكفي الإشارة إلى أن الكاتبة استعادت ما كان قد تطرّق إليه السيناتور الأميركي الأسود إدوارد بروك في عام 1967، حين قال إن «المدن الأميركية تعاني من العزل العنصري المستشري، وهو مرض منتشر بعمق، ومتغلغل في الضمير الوطني للعديد من الأميركيين، السود وأيضاً البيض». بروك أضاف، حينها، أن «الناقل الرئيسي للعزل المستشري كان الحكومة الاتحادية. فقد قامت، أولاً، ببناء الغيتوات، ثم بإقفال الباب، والآن هي تبحث عن المفتاح».
ولكن بروك كان قد ذكر أن الحكومة الفدرالية يمكنها القيام بما هو أفضل، من خلال «إصدار قوانين تجعل تمكن المواطنين السود من العيش داخل الدائرة، حيث المدارس أفضل والمنازل محترمة والأعمال جيدة، وذلك ببساطة بتحويل الرفض الذي يواجهه السود عندما يتقدمون للإيجار إلى أمر غير قانوني، خصوصاً إذا ما رفضوا استناداً إلى عرقهم».
النقاش حول العنصرية انتقل، أيضاً، إلى الأجواء المحيطة بالانتخابات الرئاسية وطال المرشحين. ففي الوقت الذي يتعرّض فيه المرشحون الجمهوريون لانتقادات، بسبب عدم الاعتراف بأن هذه الجريمة نابعة من خلفية عنصرية، خرجت مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون، السبت، بتصريح أكدت فيه أن المذبحة التي وقعت في ولاية ساوث كارولاينا تذكّر باستمرار العنف المؤسّسي العنصري في الولايات المتحدة.
وقالت كلينتون، في مؤتمر لرؤساء البلديات في سان فرانسيسكو: «إنه لمن قبيل المخادعة أن نصف مأساة كهذه بأنها واقعة فردية، وأن نصدق أنه في أميركا اليوم تركنا التعصب خلفنا إلى حدّ كبير وأن العنصرية المؤسسية لم يعد لها وجود». وأضافت: «لا تزال العنصرية تمثل صدعاً عميقاً في الولايات المتحدة».
(الأخبار)