حالة الاستنفار في روسيا لا تزال على حالها، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف محطة مترو الانفاق في سانت بطرسبرغ، أول من أمس، والذي ارتفعت حصيلة ضحاياه إلى 14 قتيلاً و50 جريحاً.
على المستوى الأمني، اتخذت السلطات الروسية إجراءات صارمة، حيث تم إغلاق محطات «سينايا بلوشاد» و«سباسكايا» و«سادوفايا» للتفتيش. تم إخلاء الأولى، تحديداً، غداة تلقي أجهزة الأمن بلاغاً عن وجود قنبلة، فيما جرى إغلاق محطة «دوستويفسكايا» لأسباب «فنّية». وقد شهدت كلية الحقوق في جامعة بطرسبرغ عملية إجلاء للطلبة، من دون أن توضح إدارة الكلية السبب وراء ذلك. أما في موسكو، فقد أبقت الأجهزة الأمنية حالة الاستنفار القصوى في المواصلات العامة، وشهدت ثلاث من أهم محطات القطار في العاصمة عمليات تفتيش بعد العثور على طرود مشبوهة.
على مستوى التحقيقات في الهجوم، فإن الحديث يدور حول عمل إرهابي، ضمن احتمالين رئيسيين: الجماعات الإسلامية أو القوميون المتعصبون.
راحات سليمانوف، رئيس جهاز الاستخبارات في جمهورية قرغيزستان السوفياتية السابقة، رجّح أن يكون المتهم بتفجير مترو بطرسبرغ «قرغيزي القومية وروسي الجنسية». ونقلت وكالة «أنترفاكس» الروسية عن مصدر في الاستخبارات القرغيزية قوله إن «المشبوه الأول في هذا التفجير هو أكبر جون جليلوف من مواليد مقاطعة أوش، في قرغيزيا، عام 1995، وحاصل على الجنسية الروسية»، لافتاً إلى أن «العمل مستمر على قدم وساق بالتعاون مع الأمن الروسي لإلقاء القبض على الشخص المذكور».
وذكر مصدر أمني روسي لوكالة «سبوتنيك»، أن «الأمن كشف في مكان التفجير عن جثة تعود لشخص متحدر من آسيا الوسطى، مؤكداً أن من السابق لأوانه الجزم بأنها تعود للإرهابي الحقيقي». ووفق المصدر الروسي، فإن التحقيق كشف «حتى الآن» عن أن المشتبه فيه وضع قنبلة زرعت داخل طفاية حريق في محطة «بلوشاد فوستانيا»، في مترو بطرسبرغ، إلا أنها لم تنفجر، وفي أعقاب فشل عمليته، استقل الإرهابي المذكور أحد قطارات المترو المتجهة إلى محطة «سينايا بلوشاد» ليفجر نفسه بحزام ناسف، أثناء سير القطار داخل النفق، وقبل بلوغه رصيف إنزال الركاب، وذلك بقصد إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا والإصابات.
المتحدثة باسم لجنة التحقيق الروسية سفيتلانا بيترينكو، أكدت أن الانتحاري هو أكبر جون جليلوف، موضحة أن نتائج تحاليل عينات من الحمض النووي وتسجيلات كاميرات المراقبة تدل على أن الشخص الذي فجر نفسه في عربة قطار من محطتي «تيخنولوغيتشيسكي إينستيتوت» و«سينايا بلوشاد» هو الشخص نفسه الذي ترك عبوة ناسفة معدة للتفجير داخل حقيبة في محطة «بلوشاد فوستانيا». وأوضحت أنه تم العثور على آثار الحمض النووي للإرهابي المذكور على الحقيبة التي كانت العبوة في داخلها.
ووفق مصادر وكالة «روسبالت»، فإن الهجوم الإرهابي يرجّح أن يقف خلفه قادة من الجماعات القوقازية الإسلامية المقيمين في تركيا، وخصوصاً أن فعالية قوية لوحظت في صفوفهم في الفترة الأخيرة، حيث سجلت أجهزة الاستخبارات عقد لقاءات وتزايد الاتصالات بمختلف الوسائل بينهم. ويشار في هذا السياق، إلى أن كثيرين من هؤلاء قاتلوا إلى جانب الجماعات الإرهابية، من بينها «داعش» في سوريا. ووفق «روسبالت»، فإنّ «داعش» غالباً ما يعلن بسرعة مسؤوليته عن مثل هذه الهجمات، وهو ما لم يحدث بعد التفجير.
وثمة احتمال ثان، وفق مصادر «روسبالت» وهو أن تكون الجريمة من تخطيط وتنفيذ الحركات القومية المتعصبة السرية المرتبطة مع مثيلتها في أوكرانيا. وما يقود إلى هذه الفرضية، أن العبوة التي لم تنفجر كانت معبأة بمادة «تي إن تي» سائلة، وهذا النوع من المتفجرات لا يستخدم عادة من قبل المسلحين في شمال القوقاز لأنهم يفضلون استخدام مادة «أمّونال» المتفجرة، ولديهم خبرة عالية في استخدامها لإنتاج العبوات الناسفة القوية. وأما «التروتيل» («تي إن تي»)، فهو مستخرج من قذائف يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، وهو محبب لدى القوميين المتعصبين، ولطالما ضبطت كميات كبيرة منه لديهم، وقد سبق أن استخدموها في تفجير السكة الحديدية بين محطتي «برونيفايا» و«لينينسكي بروسبكت» في سانت بطرسبرغ (شباط عام 2010).
الكرملن بدوره، أكد أن الاستخبارات الروسية ستحقق في موضوع ارتباط محتمل بين توقيت التفجير الإرهابي في مترو أنفاق سانت بطرسبرغ وزيارة الرئيس فلاديمير بوتين، للمدينة في اليوم ذاته، حسبما أوضح المتحدث الصحافي الرئاسي ديمتري بيسكوف، الذي شدد على أن «أي عمل إرهابي يقع في البلاد يمثل تحدياً لأي مواطن روسي، وكذلك للرئيس».
إلى ذلك، رأى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أن الترويج لفكرة أن العمل الإرهابي في سانت بطرسبرغ جاء انتقاماً لسورياً «أمر خسيس»، معرباً عن أمله في «تخلي الشركاء في الخارج عن معايير مزدوجة بشأن الإرهاب».
تحليلات الصحف الروسية بدت متفاوتة تجاه الهجوم الإرهابي، فيما بدا معظمها متحفظاً في تحديد أهدافه، قبل ظهور نتائج التحقيقات.
المحلل أليكسي موخين، كتب في «نيزافيسيمايا غازيتا» أن الهجوم يمثل «رداً من تنظيم الدولة الإسلامية على انتصارات القوات الروسية في سوريا، والهدف منه، على ما يبدو، الحد من نشاطات روسيا في الخارج»، من خلال «تغيير الرأي العام حيال الحملة في سوريا». بدورها، كتبت «أزفستيا» أن «ردود الفعل على هذا العمل الإرهابي في العالم تبعث الأمل بأن التحالف المعادي للإرهاب الذي يدعو إليه (فلاديمير بوتين) سيتشكل أخيراً».
أما صحيفة «فيدوموستي» الليبرالية، فقاربت المسألة من زاوية معارضة، إذ أشارت إلى أنه حتى لو صوّرت الحكومة الروسية سياستها في سوريا على أنها «جيدة»، فإن ذلك «لا يمنعنا من التساؤل عما إذا كانت مدروسة وإن كانت عواقبها محسوبة».
وعلى هذا المنوال، حاولت صحف أخرى الربط بين الهجوم والوضع السياسي في روسيا، مع بدء العد العكسي لانتخابات الرئاسة، وخروج جماعات «مكافحة الفساد» بقيادة أليكسي نافالني، إلى الشارع قبل أيام، إذ كتب المحلل في صحيفة الأعمال «ار بي كا» عباس غالياموف، أن «استخدام عمل إرهابي لإحكام القبضة هو تقليد وطني»، فيما اعتبرت «فيدوموستي» أنه «بحجة مكافحة التطرف وتعزيز الأجهزة السرية وضبط شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن للسلطة أن تزيد الضغط على المعارضين».