«كان حلماً رائعاً هذه الليلة. لقد انتُخبت رئيساً لدولة أميركية جميلة». بهذه العبارة غرّد «فلاديمير لينين»، وهو حساب افتراضي لقائد الثورة البلشفية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».ما قصده «فلاديمير لينين» الافتراضي، في تغريدته هذه، هو ما جرى في الإكوادور، حيث حقق مرشح الحزب الاشتراكي الحاكم لينين مورينو، فوزاً صعباً على منافسه اليميني غييرمو لاسو، بعد معركة طاحنة، تزايدت حدّتها، منذ أن أفضت نتائج الانتخابات العامة، في دورتها الأولى التي جرت في شباط الماضي، والتي شارك فيها ستة مرشحين آخرين، إلى استقرار النزال بين الرجلين، دارت رحاه في صناديق التصويت، أول من أمس.

المجلس الانتخابي في الدولة اللاتينية أكد، وفق بيانات أولية استندت إلى نتائج فرز 93.4 في المئة من الأصوات، أن لينين مورينو حصل على 51.04 في المئة من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة، في مقابل 48.96 في المئة لغييرمو لاسو.
هذا الفارق الضيق بين ما حصّل مورينو ولاسو، شجع الأخير على الطعن في نتيجة الانتخابات، فيما كانت ماكينته الانتخابية، تحرّض المناصرين على نقل المعركة إلى الشارع، حيث تظاهر الآلاف من مؤيدي المرشّح اليميني، منددين بما وصفوه «تزويراً» و«تلاعباً» في العملية الانتخابية.

إيفو موراليس:
اشتراكية القرن الحادي
والعشرين منتصرة دوماً

إزاء هذا التصعيد، بدا رئيس المجلس الانتخابي خوان بابلو بوسو، حاسماً في طلبه من مناصري لاسو القبول بالنتيجة، مخاطباً المرشّح اليميني بالقول إنَّ «الإكوادور تستحق من اللاعبين السياسيين التصرّف في إطار مسؤولية أخلاقية، من أبرز سماتها احترام الخيار الديموقراطي الذي عبّر عنه الشعب في صناديق التصويت».
ولكن لا يبدو، في ضوء التنافس الحاد، الذي شهدته الانتخابات الرئاسية، في دورتيها، والذي عكسته الأرقام الانتخابية بوضوح، أنَّ الملياردير اليميني سيستسلم بسهولة، خصوصاً أنَّ أداءه العام، في خلال الحملة الانتخابية، اتسم بعدائية شديدة تجاه المرشّح اليساري الذي اختاره الرئيس المنتهية ولايته، رافاييل كوريا، لخلافته، بعدما اختار الابتعاد عن مقرّ الرئاسة، في «بالاسيو دي كارونديليت»، بعد عقد على حكمه، شهد إنجازات عززت شعبية حزب «تحالف البلاد»، بقدر ما شهدت انتكاسات اقتصادية ــ سياسية بدت عابرة لحدود الإكوادور، في ظل الصعوبات التي واجهت أنظمة «البديل البوليفاري» أو «اشتراكية القرن الحادي والعشرين» في أميركا اللاتينية.
عدائية لاسو، في خلال الحملة الانتخابية، تخطّت كل حدود، وامتدت على جبهات عدّة، من محاولات تشويه صورة لينين مورينو، عبر التشكيك في قدرة منافسه على اعتماد مقاربة اقتصادية ناجحة، مروراً بالتصويب على إرث رافاييل كوريا، والتركيز على فضائح الفساد التي طاولت بعضاً من أفراد عائلته، وصولاً إلى استحضار الأزمة السياسية والاقتصادية التي يواجهها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لتحذير الإكوادوريين من مصير «يائس».
ومن المرجَّح، بحسب المواقف الأولية التي أطلقها المرشّح اليميني، بعد صدور نتائج التصويت، أن يستفيد لاسو من حالة الاستقطاب الحادة، التي تشهدها الإكوادور، للتصويب على مورينو، حتى في حال إخفاق مساعيه في تغيير نتيجة التصويت المعلنة.
ويبدو المرشح اليميني قادراً، في هذا السياق، على الاستفادة من الاصطفاف اللافت للانتباه، الذي شهده المعسكر اليميني في الإكوادور، والذي تبدّى في الجولة الثانية، حين جيّر معظم من مرشّحي اليمين دعم مناصريهم لمصلحة لاسو، وأبرزهم مرشحة «الحزب الاجتماعي المسيحي» سينثيا فيتيري (التي حصلت على 16.30 في المئة أصوات جولة التصويت الأولى)، فضلاً عن «اليسار الديموقراطي« (وسط)، الذي اختار رئيسه باكو مونكايو (6.71 في المئة من أصوات الجولة الأولى)، دعم لاسو، باعتبار ذلك «الطريق الوحيد للتخلص من رافاييل كوريا».
ومما لا شك فيه، أنَّ لاسو يراهن على اجتماع «أعداء» كوريا، في معسكر واحد، إلى جانبه، للمضي قدماً، في معركة عنوانها العريض «نزع الشرعية» عن حكم لينين مورينو، وهو لمّح إلى ذلك، في أول خطاب توجه فيه إلى مناصريه بعد صدور النتائج شبه النهائية، في مسقط رأسه غواياكيل، العاصمة الاقتصادية للبلد، حين قال: «سندافع عن إرادة الشعب الإكوادوري في مواجهة شبهات تزوير، تهدف إلى إرساء حكومة ستكون منذ الآن غير شرعية».
في المقابل، يملك لينين مورينو الكثير من الأوراق في مواجهة خصومه، أبرزها الشعبية التي يتمتع بها، كأحد المدافعين عن الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة من جهة، وما بقي من إرث رافاييل كوريا في أوساط الطبقات الفقيرة، بعدما نجح من خلال برامج الرعاية الاجتماعية في خفض الفقر بنسبة 38 في المئة (والفقر المدقع بنسبة 47 في المئة) بخلال عشر سنوات من حكمه، وفي صفوف النقابات العمالية التي منحت الرئيس المنتهية ولايته «شيكاً على بياض» في كافة الاستحقاقات السابقة.
وبرغم ذلك، سيواجه لينين مورينو تحدّيين أساسيين، قد يدفعانه إلى إبداء قدر من المرونة.
التحدي الأول، يتمثل في الوضع الاقتصادي السيئ، الذي تمرّ به الإكوادور، في ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط، والتباطؤ الذي يشهده اقتصاد الصين (2.9 في المئة بحسب توقعات البنك الدولي)، التي اختارها كوريا شريكاً بديلاً للولايات المتحدة في مجال التعاملات الخارجية، والتي تحتل نسبة 40 في المئة من سلّة صادرات الإكوادور النفطية.
وأما التحدي الثاني، فيتمثل في تراجع شعبية كوريا، على خلفية فضائح الفساد التي عانت منها الإكوادور في خلال السنوات الماضية، التي طاولت الكثيرين من المحيطين به، وكان لها أثر سلبي في صفوف الطبقة الوسطى وبعض القوى اليسارية الأخرى.
انطلاقاً من ذلك، سيجد لينين مورينو نفسه مكبّلاً بقيود عدّة، ستمنعه من اتخاذ إجراءات اقتصادية غير شعبية، لدفع العجلة الاقتصادية، وستمنحه هامش مناورة أقل في شنّ هجمات سياسية ضرورية على خصومه، الذين يحظون بدعم أميركي، وربما اضطر إلى تقديم بعض التنازلات لإرضاء أصحاب المصالح الرأسمالية المؤثرين في السياسة العامة في البلاد.
ومع ذلك، فإنَّ انتخاب مورينو قد يشكل، على نطاق أوسع، دفعة قوية لتيار اليسار في أميركا اللاتينية، الذي احتفى سريعاً بفوز خليفة رافاييل كوريا، حيث سارع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إلى نشر تغريدة عبر «تويتر» جاء فيها: «تهانينا للإكوادور. ثورة المواطن انتصرت!»، وتبعه الرئيس البوليفي إيفو موراليس، بتغريدة مماثلة جاء فيها: «اشتراكية القرن الحادي والعشرين منتصرة دوماً... تهانينا أخي لينين!».
وأمّا المنتشي الأكبر بانتصار لينين، فكان مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج، الذي سخر من لاسو، الذي سبق أن تعهد بطرده من سفارة الإكوادور في لندن، فتوجه إليه بتغريدة، عقب انتهاء عمليات التصويت، قائلاً: «أدعو لاسو إلى مغادرة الإكوادور في خلال 30 يوماً... بالملايين من أموال التهرب الضريبي أو من دونها)».