باريس | لم يعد يفصل الرئيس فرنسوا هولاند سوى سبعة أسابيع عن موعد مغادرته الحكم. رسمياً، تنتهي ولاية هولاند فور إعلان النتائج الرسمية للدورة الثانية من انتخابات الرئاسة، التي ستجري في 6 أيار المقبل. وبالرغم من أنّ نزيل الإليزيه خرج طوعاً من المعترك الانتخابي، حين أحجم، في مطلع كانون الأول الماضي، عن الترشح لولاية ثانية، فإنّ كواليس قصر الرئاسة تشهد استعدادات حثيثة لإطلاق حملة انتخابية يُرتقب أن تنطلق في مطلع الأسبوع المقبل، ليجوب الرئيس الفرنسي خلالها مختلف مناطق البلاد، من أجل حشد الأنصار والناخبين.
هولاند لا يزال عند قراره عدم الترشح لولاية جديدة. كذلك فإنه، في الظاهر على الأقل، لا يزال عند وعده بعدم تأييد أي مرشح خلال الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، معتبراً أنه يجب أن لا يخرج عن حياده سوى بين جولتي الاقتراع، "إذا أحسستُ بأن خطراً يتهدد البلاد"، أي إذا حلّت مارين لوبن في الصدارة.
لكن مصادر مقرّبة من الرئيس الفرنسي أكدت أن المسار الذي اتخذته الحملة الانتخابية، منذ شهرين، ولّدت لديه مخاوف متزايدة من فوز لوبن. وبالتالي صار يخشى أن يبقى اسمه في التاريخ بوصفه الرئيس الذي سلّم مفاتيح الإليزيه إلى اليمين المتطرف! من هذا المنطلق، دعا هولاند الى قصر الرئاسة، في نهاية الأسبوع الماضي، كوكبة من المثقفين والباحثين، وفِي مقدمتهم اثنان من أبرز الاختصاصيين في شؤون اليمين المتطرف، هما نيكولا لوبور ونونا ماير.

مصادر مقرّبة من هولاند
تؤكد أنّ هناك مخاوف
متزايدة من فوز لوبن


الاجتماع خُصّص لمناقشة مدى جدية حظوظ لوبن في الفوز بالرئاسة. وكانت آراء الخبراء متضاربة؛ فبالرغم من أن نجاح لوبن في التأهيل إلى الدورة الثانية من الانتخابات بات أمراً شبه مؤكد، فإنّ غالبية الحضور شكّكت في قدرتها على توسيع قاعدتها الانتخابية في الدورة الثانية، لتجاوز عتبة الخمسين في المئة الضرورية للظفر بمفاتيح الإليزيه.
لكن هولاند عبّر عن وجهة نظر بالغة التشاؤم، مذكّراً بالمفاجأة التي شكلتها "صدمة 21 نيسان 2002"، في إشارة الى إقصاء المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان، وتأهل جان ماري لوبن الى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وأكد هولاند، وفق ما كشفه عدد من المثقفين الذين حضروا اجتماع الإليزيه، أنه على اقتناع بأن "استطلاعات الرأي الحالية تنتقص كثيراً من حظوظ مارين لوبن التي تتجه في الواقع نحو تحقيق نتيجة في الدورة الاولى ستكون أقرب الى 35٪‏ منها الى 25٪‏، كما تشير الاستطلاعات حالياً". وحذّر هولاند من أن مرشحة اليمين المتطرف "إذا اكتسحت في الدورة الاولى بهذا الشكل، فستضع المرشح المؤهل لمنافستها في الدورة الثانية تحت عتبة الـ20٪‏. وبالتالي، ستكون هناك ديناميكية انتخابية يصعب عسكها، إذ لا تكفي المراهنة على الحس الجمهوري للناخبين لتقليص الهوة التي ستكون شاسعة في هذه الحالة".
لكل هذه الأسباب، قرر هولاند استباق الأمور، عبر إطلاق حملة انتخابية سيشترك فيها أيضاً رئيس الحكومة برنار كازنوف، لتوعية الفرنسيين بمخاطر اليمين المتطرف. ويُرتقب أن ترتكز هذه الحملة بشكل أخص في مناطق شمال وجنوب شرق فرنسا، التي تضم المخزون الانتخابي الأهم لمارين لوبن.
تحذيرات هولاند بأن "الحس الجمهوري" الذي سمح في السابق بقطع الطريق أمام اليمين المتطرف، من خلال تحالف اليسار واليمين التقليدي ضده، في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، قد لا يكون كافياً لإحباط زحف لوبن باتجاه الاليزيه في انتخابات الرئاسة الحالية، والذي سرعان ما رجّحه أيضاً استطلاع سنويّ مهم كُشف عنه أول من أمس.
لا يتعلق الأمر بمجرد سبر آراء اعتيادي، بل يعدّ هذا الاستطلاع بمثابة البارومتر السنوي، الذي يعني منذ عام 1984 برصد "صورة اليمين المتطرف لدى الرأي العام الفرنسي"، ويتخذ شكل استفتاء سنوي موسع تشرف عليه مؤسسة SofresــOnePoint لحساب جريدة "لوموند".
الاستطلاع ذكّر بأنه منذ تأسيس "الجبهة الوطنية" عام 1980، حتى إسناد رئاستها الى مارين لوبن خلفاً لوالدها، عام 2011، كان ما لا يقل عن 70 في المئة من الفرنسيين يرون أن اليمين المتطرف يشكل خطراً على الديموقراطية. لكن هذه النسبة تراجعت، غداة انتخابات الرئاسة، عام 2012، الى 47 في المئة فقط. ثم عادت نسبة المتخوفين من خطر اليمين المتطرف للارتفاع، خلال الأشهر الستة الأخيرة، الى 58 في المئة. ولعب تصاعد التيارات الشعوبية عبر العالم، وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي إثر استفتاء بريكست، ثم فوز ترامب بالرئاسة الاميركية، دوراً بارزاً في تغذية هذه المخاوف.
لكن تنامي المخاوف من خطر اليمين المتطرف لا يعني بالضرورة أن الناخبين الفرنسيين سيتجنّدون لقطع الطريق أمام وصول مارين لوبن الى الاليزيه، كما فعلوا عام 2002، حين اقترع 82٪‏ منهم لجاك شيراك بدافع إقصاء جان ماري لوبن. فقد بيّن الاستطلاع أن 40 في المئة من الناخبين الفرنسيين لا يعتبرون البرنامج الانتخابي الحالي لمارين لوبن برنامجاً يمينياً متطرفاً، بل مجرد "برنامج ذي نزعة قومية يستند الى القيم اليمينية التقليدية".
هذه المفارقة تعكس نجاح استراتيجية "نزع الشيطنة" التي اعتمدتها لوبن لتبييض صورة حزبها. فقد بيّن الاستفتاء أيضاً أن 80 في المئة من الناخبين معجبون بما تتّسم به لوبن من "إرادة"، في حين أشاد 69 في المئة بـ"قدرتها على اتخاذ القرار"، بينما قال 49 في المئة إن ميزتها الأساسية تكمن في "قدرتها على تفهّم المشاكل اليومية للفرنسيين"!