ارتفع منسوب التوتر والتصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، إلى مستويات عالية أمس، غداة إطلاق بيونغ يانغ أربعة صواريخ بالستية، رداً على تدريبات عسكرية مشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وأُطلقت الصواريخ الأربعة قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكوريّة لمسافة نحو ألف كيلومتر، من قاعدة للصواريخ في منطقة تونغ تشانغ ــ ري في كوريا الشمالية. وسقطت ثلاثة منها في المنطقة الاقتصادية الحصرية لليابان، الواقعة ضمن مسافة 200 ميل بحري (370 كلم) من سواحلها.
وفيما توالت الانتقادات لهذه العملية، أعلنت كوريا الشمالية أنها كانت تدريباً على ضرب القواعد الأميركية في اليابان. وقالت وكالة الأنباء الرسمية فيها، إن الرئيس كيم جونغ أون أشرف على العملية وأمر شخصياً ببدئها. وأشارت إلى أن الهدف كان «ضرب القوات العسكرية المعتدية الإمبريالية الأميركية في اليابان في حالة الطوارئ»، وهي دليل على أن الشمال مستعدّ «لإزالة القوات العدوّة من على الخريطة» عبر «ضربة نووية من دون رحمة».
وما كادت بيونغ يانغ تنفذ هذه العملية، حتى أعلن الجيش الأميركي، أمس، أنه بدأ عملية نشر منظومة «ثاد» المتطوّرة المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية أن نشر هذه المنظومة يرفع مستوى الحماية نسبة إلى المنظومة الحالية، ويحمي الأراضي الكورية الجنوبية والقوات الأميركية هناك، علماً بأن «ثاد» مصمّمة لاعتراض ولتدمير الصواريخ البالستية وهي لا تزال خارج الغلاف الجوي أو على وشك دخولها خلال آخر مراحلها.

أكد ترامب لليابان ولكوريا الجنوبية الحشد لردع بيونغ يانغ

في غضون ذلك، أرفق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحرّك البنتاغون بطمأنة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والقائم بأعمال رئيس كوريا الجنوبية، هوانغ كيو آن، ومحورها «تسخير واشنطن الطاقات العسكرية المتاحة كافّة لردع بيونغ يانغ». وورد في بيان صادر عن البيت الأبيض، في أعقاب مكالمتين هاتفيّتين أجراهما ترامب مع آبي وكيو آن، أن ترامب «أكد لمحادثيه اتخاذ إدارته الخطوات اللازمة لتعزيز قدرات الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، على ردع بيونغ يانغ والوقاية من صواريخها البالستية، باستخدام الوسائل العسكرية الأميركية المتاحة لذلك».
وبينما من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، اليوم، بطلب من الولايات المتحدة واليابان لبحث سبل الرد على كوريا الشمالية، واجهت الأخيرة موجة من الإدانات، لكنها ردّت مؤكدة أن التدريبات الجارية بين أول بلدين تستهدف شنّ «هجوم نووي استباقي» ضد بيونغ يانغ.
كذلك، أبلغ جو يونغ تشوي، وهو دبلوماسي كوري شمالي، «مؤتمر نزع السلاح»، الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف، بأن التدريبات المشتركة «الواسعة النطاق على نحو لم يسبق لها مثيل، سبب كبير لتصعيد التوتر الذي قد يتحوّل إلى حرب فعلية» في شبه الجزيرة الكورية المقسمة. وقال جو، إن «التدريبات العسكرية الجارية تُنفذ بحشد واسع النطاق للقوات، ولم يسبق لها مثيل في الحجم وبأنواع مختلفة من القوى الإستراتيجية الأميركية، ومنها حاملات الطائرات النووية والقاذفات الإستراتيجية النووية وطائرات الشبح المقاتلة».
من جهة أخرى، ندّد السفير الأميركي لنزع السلاح روبرت وود، بالاختبارات الكورية الشمالية، قائلاً إن برنامج بيونغ يانغ للأسلحة يمثل «تهديداً واضحاً للأمن الوطني لكل دولة في المنطقة». وأضاف وود: «يجب أن يكون من الواضح للغاية بالنسبة إلى كوريا الشمالية أنها منبوذة ومنحرفة، وأنها انتهكت العديد من قرارات مجلس الأمن، وأن الدول الممثلة في هذه الغرفة لن تقف مكتوفة الأيدي وتدعها تنتهك القانون الدولي».
خلال الجلسة العاصفة، التي استمرت 90 دقيقة، أدان مبعوثون من أكثر من 12 دولة، منها الصين ــ الحليفة الرئيسية لكوريا الشمالية ــ وبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة إطلاق بيونغ يانغ الصواريخ البالستية، لكن الصين، التي ترى منظومة «ثاد» تهديداً لأمنها، علّقت على نشرها في كوريا الجنوبية، مؤكدة أنها ستدافع «بحزم» عن مصالحها الأمنية، خصوصاً بعدما تجاهلت واشنطن تحذيرات سابقة لبكين. كما دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية، غانغ شوان، جميع الأطراف إلى «وقف عملية النشر وعدم سلوك هذه الطريق الخطأ».
على الجهة الروسيّة، أعلن مدير «قسم شؤون المراقبة على الأسلحة وعدم الانتشار» التابع لوزارة الخارجية، ميخائيل أوليانوف، أن تنفيذ خطة نشر منظومات «ثاد» في كوريا الجنوبية قد يؤجّج التوتر في المنطقة. كذلك، أكّد رئيس «لجنة الدفاع والأمن» التابعة لمجلس الاتحاد الروسي، فيكتور أوزيروف، أن نشر منظومات «ثاد» يتعارض مع شروط اتفاقية الحد من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية حول التوازن المناسب، قائلاً إن ذلك يبرر لموسكو الخروج من الاتفاقية. وأضاف أوزيروف أن روسيا ليست معنية بالخروج من الاتفاقية، لكنها ستدرس الوضع الأمني في ظل المعطيات الجديدة.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)