وصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد محمد بن سلمان والوفد المرافق (600 فرد)، أمس، إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور، في مستهل جولة آسيوية في خمس دول (ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين وسلطنة بروناي) تستغرق شهراً وتهدف إلى «تعزيز العلاقات وجذب استثمارات جديدة» للمملكة.
وبعد أكثر من عشر سنوات على آخر زيارة لملك سعودي إلى ماليزيا، اختار ابن عبد العزيز أن تكون الدولة الاتحادية والملكية الدستورية أول بلد إسلامي وأول بلد في جنوب شرق آسيا يزوره منذ توليه الحكم في عام 2015. وكان رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق في استقباله، والذي، وفق محضر لجلسة مجلس الوزراء السعودي، «يسعى إلى تعزيز العلاقات بين البلدين وتطوير التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والتجارة والاستثمارات والموارد البشرية».
وتأتي هذه الزيارة التي ستستمر أربعة أيام، في سياق البرنامج الذي أطلقه النظام السعودي العام الماضي باسم «رؤية 2030»، بهدف «تنويع موارد المملكة الاقتصادية وتقليص اعتمادها على إيرادات النفط»، وذلك بعد انهيار أسعار النفط وما نجم عن ذلك من ارتفاع في العجز. وتحاول المملكة جذب استثمارات آسيوية للمشاركة في عملية بيع حصة تبلغ خمسة في المئة في شركة «أرامكو» السعودية في عام 2018، في طرح أوّلي من المتوقع أن يكون الأكبر في العالم.
ووفق ما أعلنه عبد الرزاق، سيوقّع البلدان «عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الجديدة»، أبرزها توقيع اتفاق بين شركة «بتروناس» الماليزية للنفط وشركة «أرامكو»، يوم غد، واتفاق للتعاون في مشروع ماليزي في مجال التكرير والبتروكيماويات. وأشارت بعض التقارير إلى أن المشروع يتطلب طاقة 300 ألف برميل يومياً، وتبلغ قيمته 27 مليار دولار.
وأشار رئيس الوزراء المقرّب «جدّاً» من الرياض إلى «متانة» الروابط التجارية بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1961، و«تنامي» حجم التبادل التجاري (بنسبة 20 في المئة في العام الماضي وحده)، ما جعل الرياض واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لماليزيا.
كذلك، تسعى السعودية إلى توسيع نفوذها في هذا البلد، نظراً إلى موقعه الاستراتيجي في منطقة جنوب شرق آسيا.
وماليزيا التي يحدّها مضيق ملقا المهم في الملاحة الدولية، عضو في «مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية»، وتُعتبر دولة رائدة في الصادرات الإلكترونية، ولديها خبرة كبيرة في مجال التعليم والتدريب والطاقة والتقنية.
وصباح سفر الملك السعودي، تصدّرت تصريحات السفير السعودي في جاكرتا، فهد بن عبدالله الرشيد، عناوين الصحف والمواقع السعودية، إذ قال إن «وحدة العقيدة الدينية والروابط الروحية تشكّل الأسس المتينة للعلاقات القائمة بين البلدين».
ففضلاً عن الاقتصاد، ترى السعودية في البلد المكوّن من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية مجتمعاً يسهل اختراقه والتأثير عليه، وذلك نظراً إلى التقارب الديني الموجود في البلدين، إذ إن الإسلام هو الدين الرسمي لماليزيا، وما يقرب من 60.4 في المئة من سكانها مسلمون. كذلك فإن موقع ماليزيا في قلب جنوب شرق آسيا يجعلها جزءاً من منطقة لديها أكثر تجمّع إسلامي في العالم، إذ إنها موطن لأكثر من مليار مسلم، يشكلون، وفق مركز الأبحاث «بيو»، 61.7 في المئة من مسلمي العالم.

حلف قديم

والتأثير السعودي ماليزياً ليس جديداً؛ فماليزيا انتسبت إلى «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب» الذي أسّسته السعودية في 2015، ويضم 41 بلداً، بهدف «محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، أياً كان مذهبه وتسميته»، إذ بعد أربع سنوات من توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين البلدين في عام 2011، وافقت ماليزيا التي تبعد عن المملكة أكثر من 6 آلاف كلم، على المشاركة في «التحالف العربي» الذي تقوده الرياض في عدوانها على اليمن.
وكانت الأضواء قد سلّطت على «العلاقة الحميمة» بين الرياض وعبد الرزاق، العام الماضي، بعد أن كشف تحقيق حكومي ماليزي أن قرابة 681 مليون دولار حُوّلت إلى الحساب المصرفي لرئيس الوزراء في عام 2013، قالت الرياض إنها «هبة شخصية ومن دون مقابل» من الأسرة الحاكمة. وبالرغم من إعلان ماليزيا «براءة» الوزير، إلا أن عدداً من الشخصيات المعارضة قال إن «الهبة السرية» كانت بهدف مساعدة عبد الرزاق على الفوز في انتخابات عام 2013، وذلك لـ«الحدّ من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين» في ماليزيا. من جهة أخرى، وبعد أن سرّبت وسائل الإعلام المحلية معلومات سرية حول تدخّل سعودي في قرار التبرئة، رأت منظمات حقوقية أن المبلغ كان من ضمن الملايين التي تضخّها المملكة في المؤسسات الدينية «التي تعمل على نشر الوهابية بحرية تامة»، متّهمين الرياض بـ«استغلال نفوذها لاضطهاد الأقليات العرقية والدينية».
ووفق منظمات حقوق الإنسان، فإنه منذ تولّي عبد الرزاق الحكم، تشهد الأقليات في ماليزيا موجة قمع «غير مسبوقة في تاريخ البلاد»، وصلت إلى حدّ «التحذير» من نشر «التبشير المسيحي» ومنع الكنيسة الكاثوليكية من استخدام كلمة «الله». كذلك أعلنت الحكومة «حظر نشر تعاليم المذهب الشيعي داخل المجتمع الماليزي»، معتبرة أن ذلك «يتعارض مع التعاليم الدينية التي يتّبعها الشعب الماليزي وقانون الشريعة المطبّق في البلاد».
(الأخبار)