إسطنبول | بعد موافقة البرلمان التركي، نهاية الشهر الماضي، على مشروع قانون تعديل الدستور لتحويل نظام الحكم إلى رئاسي، من المفترض أن يُعرض على الاستفتاء الشعبي لإقراره نهائياً في شهر نيسان المقبل. لكن ماذا ستكون نتيجة مغامرة الرئيس رجب طيب أردوغان في تغيير الدستور وتغيير نظام الحكم؟
هذا هو السؤال الأساسي الذي ينتظر الجميع الحصول على إجابة عنه، خاصة أنّ التعديلات المطروحة تفرض جدلاً كبيراً في الشارع التركي، في وقت يشير فيه خبراء في الشأن الدستوري إلى أنه في حال الموافقة الشعبية عليها، فإنّ البلاد ستدخل تحت «حكم سلطوي» وستزداد الضغوط على المعارضين.
منذ 80 عاماً، تتّبع تركيا نظام فصل بين السلطات، فيما يفيد التعديل الدستوري الحالي بضرورة جمع غالبية السلطات التنفيذية بيد شخص واحد «لتحقيق الاستقرار في البلاد». ووفق التعديل، لن يُمنع رئيس الجمهورية من الانتماء إلى حزب، وسيُلغى منصب رئيس الوزراء، ويصبح بإمكان الرئيس اختيار أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين وأعضاء في مجلس شورى الدولة والمحكمة الدستورية. كذلك، يُمنح الرئيس سلطة إصدار مراسيم رئاسية، فضلاً عن صلاحية الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وفيما من المعروف أنّ إمرار هذه التعديلات في الاستفتاء سيسمح لأردوغان بالبقاء في السلطة حتى عام 2029، فإنّ هذا الحجم من الصلاحيات يشير إلى الخلل الذي سيطرأ على نظام الفصل بين السلطات، لمصلحة رئيس الجمهورية.
في غضون ذلك، فإنّ ما يقوم به أردوغان اليوم من ضغط على المعارضين في تركيا، يعيد إلى الأذهان السنوات الأولى من تأسيس الجمهورية التركية، حين صفّى أتاتورك جميع المعارضين وجمع النفوذ بيده، ما حوّله إلى الرجل الأوحد في البلاد، وزعيمها.
وبرغم اختلاف الفكر الأيديولوجي بين مصطفى كمال أتاتورك ورجب طيب أردوغان، لكون أحدهما موالياً نسبياً للغرب ويصوّر علمانياً، فيما الآخر متديّن وضد القيم الغربية، إلا أن هناك تشابهاً كبيراً في أسلوب حكمهما.
وكما كانت الحال مع أتاتورك، لا يحبذ أردوغان أيضاً الفصل بين السلطات. ذكر أحمد ديميرال في كتابه عن «المجلس الأول» ما قاله أتاتورك في ذلك المجلس بهذا الصدد: «هل من الممكن أن يفصل الإنسان ما بين القوى التي يتحكم بها؟». هذه الجملة قالها أتاتورك في أنقرة قبل 95 سنة!
وبرغم بدء حكم أتاتورك بطريقة ديموقراطية من خلال المجلس، فإنه مع إعلان قانون «تحقيق الاستقرار»، أُعلِن التحول إلى الحكم الديكتاتوري، أو أقلّه، السلطوي. ولا تزال الشريحة الإسلامية تحيي ذكرى من أُعدموا في محاكم الاستقلال.
وعمد أتاتورك إلى تصفية معارضيه، مثل كاظم كارا بكر ورؤوف أورباي، اللذين كانا رفيقيه في «حرب الاستقلال»، إلى جانب قائد الميليشيات توبال عثمان، واحداً تلو الآخر، وذلك من خلال اغتيالهم. أما الذين لم يتمكن من تصفيتهم، فقد أجبرهم على الانسحاب من الساحة أو الابتعاد عن العمل في السياسة. وكان اغتيال النائب في البرلمان علي شكري بيك في وسط البرلمان، حدثاً يشير إلى مدى تهوّر أتاتورك.
وباستثناء التصفية من طريق الاغتيال، يستخدم أردوغان نفس أساليب التصفية لمعارضيه في داخل الحزب وخارجه. فبهدف تحجيم معارضيه من خارج الحزب، قدّم لهم المال والمناصب، أو حتى وافق في بعض الحالات على انضمام شخصيات إلى «العدالة والتنمية». أما داخل الحزب، فاستخدم طرقاً مختلفة: أبعد رئيس الجمهورية السابق وأحد مؤسسي الحزب الحاكم، عبد الله غول، وفعل ذلك مع بولنت أرينتش، وعبد اللطيف شنار، والمتحدث الأسبق باسم الحزب حسين تشليك، وأجبرهم على الابتعاد عن الساحة السياسية. ويجب ألّا ننسى أيضاً رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، الذي أُجبر على ترك منصبه ومنعه من تنظيم أي اجتماع أو إبداء رأيه، برغم أنه لا يزال نائباً في البرلمان.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي، كان رؤساء الحزب في فروع المحافظات، هم محافظي المدن في الوقت نفسه... وهذا مشهد قد نستعيد بعضاً منه قريباً.