لم تجر العادة في إيران أن يحكم رئيس الجمهورية لولاية واحدة سوى في حالتين: الأولى عندما عزل الإمام الخميني أبو الحسن بني صدر، قبل إتمام ولايته الرئاسية عام 1980، والثانية بعد اغتيال الرئيس محمد علي رجائي في العام نفسه. وهناك نظرية مشهورة على هذا الصعيد تقول إن أي رئيس إيراني يمتلك في ولايته الأولى 50% من الأصوات، ويبقى عليه المنافسة على النسب المتبقية للفوز بالثانية.
رغم ذلك، تبدو التحديات التي تواجه الرئيس حسن روحاني، والفريق الإصلاحي من خلفه، أكبر من قدرته على تخطيها قبيل الاستحقاق الانتخابي بعد نحو أقل من ثلاثة أشهر.
التحدي الأول، غياب إنجاز الوعود الانتخابية التي أطلقها روحاني في انتخابات عام 2013، على صعد الاقتصاد والانفتاح على المجتمع الدولي وإنهاء الحصار، إذ لم يحقق نجاحا كبيرا إلى الآن. ويعود ذلك الى عاملين: داخلي يرتبط بالأنظمة البيروقراطية الجامدة، وخارجي يتعلق بالموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية من قضايا المنطقة، لاسيما فلسطين.
ومن الأخطاء التي ارتكبها روحاني أنه حصَر النمو الاقتصادي وحل المشكلات، ومنها التلوث البيئي والمياه، بالنجاح في المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي. ورغم إبرام هذا الاتفاق، فإن انعكاساته الاجتماعية الإيجابية من ارتفاع مستوى الدخل إلى انخفاض مستوى البطالة وازدهار بيئة الاستثمار، لم تتحقق إلا بمستويات ضئيلة لا يمكن لها أن تريح الواقع الاقتصادي المأزوم، أو تخفف من ضغط الأعباء الاجتماعية القاسية رغم كل الجهود التي بذلها هذا الفريق. وهنا، يرى المعارضون للاتفاق أن جل ما حصلت عليه إيران بعد إيقاف العجلة النووية والفضائية «هو طائرة «إيرباص!»، في وقت حاول فيه الفريق الإصلاحي تجيير الحصول عليها انتخابياً عبر الاحتفال بهبوطها في مطار طهران كأولى بوادر الانتصار الناتج عن الاتفاق النووي.
الأخطر، ما اقدم عليه روحاني عندما أطلق جملة من المواقف المخالفة لتوجيهات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، ما اضطر الأخير إلى الرد عليه في بعض الخطابات العامة من دون تسميته. وأدى ذلك أيضا إلى توجيه كل من مجلس خبراء القيادة وجامعة المدرسين في قم (أعلى سلطة دينية في الجمهورية) رسائل قاسية إلى روحاني تستوضح فيها سبب تعارض مواقفه مع مواقف «القائد»، وتهديده بنشر تلك الرسائل عبر الإعلام في حال لم يتراجع.
ومن المعروف ان جملة من الخلافات طفت على السطح تتعلق بتوتر علاقات الحكومة بالسلطة القضائية، بسبب توجيه الأولى اتهامات للثانية بالتقصير في معالجة ملفات مالية كبيرة مرتبطة بحكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد. علماً بأن المتحدث باسم السلطة القضائية قال إن القضاء «قام بدوره على أكمل وجه»، مشيراً إلى أن المهمة المتبقية في استرجاع الأموال تقع على عاتق الحكومة الحالية. وما لبث أن غمز القضاء من بوابة المقربين من روحاني الذين تداول الإعلام أسماءهم في عدد من ملفات الفساد.
في غضون ذلك، استمر الأداء السياسي الضعيف للحكومة بالوتيرة نفسها التي كان عليها طوال السنوات الأربع الماضية في قضايا ينظر الإيرانيون إليها على أنها حساسة وقومية، مثل حادثة التدافع في مِنى التي راح ضحيتها مئات من الحجاج الإيرانيين (من بينهم السفير غضنفر ركن آبادي)، إضافة إلى الاتهامات المتمادية للحكومتين السعودية والاماراتية لإيران على خلفية قضايا في سوريا والعراق واليمن وبحر الخليج، وصولاً إلى منع دخول الرعايا الإيرانيين إلى الولايات المتحدة. كل ذلك شكل ضربة لشعار إعادة الاعتبار إلى جواز السفر الإيراني، وهو الشعار الذي كان أطلقه روحاني في حملته الأولى. كما شكلت مواقف وزرائه في شأن القضايا الخدماتية التي تعاني جراءها الفئات المتوسطة وما دونها في المدن وبخاصة في الأرياف حالة من التذمر في الشارع الإيراني ومادة دسمة للصحف المعارضة للتيار الاصلاحي.
من جهة أخرى، أثار سلوك روحاني السلبي مع المعارضين له واتهامهم بالجهل والأمية تقييما سيئا لدى الشارع الإيراني، وهو ما تجلى خلال جولاته الداخلية على المحافظات المختلفة والاستقبال الشعبي الضئيل قياساً لما كان يلاقيه أحمدي نجاد.
وفي الشهر الأخير، وضعت وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان يعتبر أهم مهندس للانتخابات واللاعب الأقوى في التوازنات لمختلف الفئات السياسية والاقتصادية والأحزاب، الإصلاحيين في موقف حرج قبيل أول سباق رئاسي بعد الثورة خالٍ من رفسنجاني.
إزاء كل هذه التحديات، مهّد عدد من قادة الإصلاحيين لانسحاب روحاني، وذلك بالتلميح إلى أنه «قد لا تكون لدى الرئيس (روحاني) رغبة في الترشح لولاية ثانية». حتى أن البعض منهم صرح بإمكانية الاتفاق على مرشح آخر.
يبقى أن الفريق الإصلاحي ربما يستفيد من تشتت الفريق المحافظ الذي لم يشكل إلى الآن جبهة موحدة لخوض الانتخابات ــ رغم بعض المحاولات ــ كما حدث في جولة 2013، الأمر الذي سبّب آنذاك تشتتاً في الأصوات المؤيدة للمرشحين المحافظين نتيجة غياب توافقهم على مرشح واحد، وهو ما أدى إلى فوز روحاني.
أخيراً، يدرك الشارع الإيراني أنه لم يعد باستطاعة أحد حرمانه مكتسباته على صعيد الحريات التي كان ينشدها إبّان انتخاب محمد خاتمي عام 1997. لذلك تتركز أولوياته على مطلبين مهمين: الأول اقتصادي معيشي بحت، والثاني قومي يتعلق بمكانة بلادهم في المجتمع الدولي. بين هذا وذاك، تبقى كلمة الفصل لصناديق الانتخابات التي ستفتح للمرة الثانية عشرة خلال أقل من أربعين عاماً من عمر الثورة.