بعد نكسة حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية، دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأحزاب البرلمانية إلى «تحمل مسؤولية الاستقرار في البلاد»، بعد ازدياد المخاوف إزاء وضع أسواق المال التركية. وفي وقتٍ لم يستبعد فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال أحمد داود أوغلو أن تكون جميع الخيارات مطروحة لتشكيل حكومة جديدة، أكد أردوغان أول من أمس، أنه يعتزم تكليف «العدالة والتنمية» بتشكيل الحكومة الجديدة.
إذاً، سيطرق داود أوغلو أبواب أحزاب المعارضة الثلاثة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية، بالتزامن مع السعي إلى تحميلها مسؤولية الأزمة الاقتصادية المحتملة، إذا ما استمرت («الشعب الجمهوري»، «الحركة القومية» و»الشعوب الديموقراطي») بشروطها وبسقوفها العالية من أجل تشكيل الائتلاف. في هذا الوقت، يلوّح أردوغان باحتمال اللجوء إلى الانتخابات المبكرة، في ابتزاز واضح للقوى المناوئة له، حتى تذعن لشروطه وتخفض مطالبها، ليبدو أردوغان بذلك أنه لم يستخلص أي درسٍ من نتائج الانتخابات الأخيرة، وأنه سيواصل عمله لتحميل أحزاب المعارضة مسؤولية عدم تشكيل حكومة خلال 45 يوماً المقبلة، وسيذهب الى انتخابات مبكرة، على أمل أن يستعيد أمجاد فوزٍ غير مؤكد.
في هذه الأثناء، أحدث خروج كتاب «12 عاماً مع عبد الله غول»، للمستشار الإعلامي للرئيس السابق عبد الله غول، أحمد سفير، هزّة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية التركية. الكتاب يميط اللثام عن كواليس تحالف غول وأردوغان وعلاقاتهما منذ أكثر من عقد، شارحاً مضامين الخلافات والصراعات الأخيرة التي خاضها أردوغان ضد غول، إلى جانب التضارب في وجهات النظر بين الحليفين اللدودين، ولا سيما بعد فضيحة الفساد التي طاولت الوزراء الأربعة في حكومة أردوغان في كانون الأول عام 2013.
يصدر الكتاب في الوقت الذي يثير فيه حزب «العدالة والتنمية» تساؤلات حول أسباب تراجعه شعبياً ــ وفي ظلّ تجاهل أردوغان لعملية الإصلاح والنقد الذاتي داخل الحزب، ما يعرّض الحزب الذي حكم تركيا 13 عاماً لاختلالات وأزمات بدأ طيفها يلوح. ويصف الكتاب بدقة شخصيتَي غول وأردوغان وتناقضهما في السياسة المتبعة، ولا سيما في قضايا السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، في سوريا ومصر خصوصاً، موضحاً كيف تصرّف كلٌّ من أردوغان وداود أوغلو كأنهما مسؤولان في الدولتين المذكورتين، لا في تركيا. ويشير سفير إلى نصيحة غول للرجلين حول ضرورة استقالة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، ومحاسبتهم، بالإضافة إلى نصحهم بشأن كيفية التعامل مع تظاهرات حديقة غيزي واستيعابها، كذلك تشجيع حرية الرأي بدلاً من سياسات كمّ الأفواه، وتعزيز الديموقراطية. ويقول صاحب الكتاب إن الرئيس غول، في اجتماعه مع مستشاريه قبل وصول أردوغان إلى الرئاسة، كان يؤكد أنه إذا تسلّم رئاسة الوزراء فسوف «يصحح الأخطاء السياسية التي ارتكبها كل من أردوغان وداود أوغلو»، وأنه سوف «يصحّح السياسة الخارجية التركية ويحاسب الوزراء على عمليات الفساد ويرسلهم إلى المحكمة العليا، ويخفّف من حدة الاستقطاب داخل البلاد». لكنه يعلم أن أردوغان سوف يعترض على هذه السياسة، وأنهما سيختلفان في الرأي، ما سينعكس سلباً على استقرار البلاد. لكن أردوغان كان يعي التناقض بين سياساته ورؤية غول، لذلك اتخذ قراراً في 27 آب من العام الماضي، بإبعاده عن رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء وعن المشهد السياسي برمته.
يبدو أن صدور هذا الكتاب الذي راجعه غول نفسه قبل النشر، سوف «يفجر» العلاقة الشخصية والحزبية بين الرجلين، كما أنه سيؤذي داود أوغلو وأردوغان في هذا الوقت بالذات، حيث يحاول الرجلان إنقاذ ما تبقى من سلطاتهما وسلطات حزبهما المهدّد بالتصدّع. وتأتي هذه المعلومات بالتزامن مع حديثٍ أثير عن إمكانية عودة غول إلى زعامة الحزب وربما رئاسة الحكومة، في إطار «محاسبة» أردوغان لداود أوغلو على الفشل الانتخابي الأخير. فهل يقطع الكتاب الطريق على عودة غول إلى الحياة السياسية، أم من الممكن أن يؤدي الرئيس السابق دوراً سياسياً من خارج الحزب؟ وهل يمكن أن تسبب مواقفه انشقاقاً حزبياً؟ هذه الأسئلة قد يوضحها أداء أردوغان ومواقفه في الأيام المقبلة.