احتفل الإيرانيون، أمس، بالذكرى الـ 38 لانتصار الثورة الإسلامية، مستغلين المناسبة لتوجيه «رسالة» إلى الإدارة الأميركية الجديدة، والرد على التهديدات، التي وفق الرئيس الإيراني حسن روحاني، «لا تخيف».
وعلى وقع هتافات «الموت لأميركا»، خرج الإيرانيون إلى الشوارع، منددين بالمواقف الأخيرة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المناهضة لإيران، ومؤكدين أن أمن بلادهم مبدأ «غير قابل للمساومة أو التفاوض»، وفق البيان الختامي للذكرى.
ومنذ تولي ترامب مهماته في 20 كانون الثاني، شهدت العلاقات المتوترة بين طهران وواشنطن تصعيداً غير مسبوق، ولا سيما بعد إصدار ترامب قراراً حظر بموجبه دخول الإيرانيين الأراضي الأميركية لمدّة ثلاثة أشهر.
وأعلن الرئيس الإيراني في كلمة ألقاها أمام مئات آلاف الأشخاص في طهران أمس، أن بلاده تقدمت بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد الولايات المتحدة، بسبب قرار «الحظر»، الذي سبق أن وصفته طهران بـ«المهين والمعيب».
وداس المشاركون في المسيرة أعلاماً إسرائيلية وأميركية وصوراً لترامب، ورفعوا اللافتات المناهضة للرئيس الأميركي الجديد، وصوراً لقادة غربيين كُتب عليها: «نحن لا نخشى التهديدات». وأكّد الرئيس الإيراني أنه «يجب مخاطبة الشعب الإيراني باحترام بعيداً عن الغطرسة»، مهدداً بأن شعبه «سيجعل من يستخدم لغة التهديد يندم». وفي إشارة واضحة إلى الرئيس الأميركي الذي قال إن «كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران»، التي اتهمها بـ«اللعب بالنار»، قال روحاني إنّ «بعض الشخصيات عديمة الخبرة في المنطقة، وفي أميركا تهدد إيران... حري بهم أن يعرفوا أن لغة التهديدات لا تفلح أبداً معنا... سنواجه بكل قوة سياسات التلويح بالحرب». ورأى أنّ «مشاركة ملايين الإيرانيين في التظاهرات دليل على قوة إيران، وتمثّل ردّاً قوياً على أكاذيب المسؤولين الجدد في البيت الأبيض». وفي ما يخص الملف النووي، قال الرئيس الإيراني إن الطاقة النووية هي «حق طبيعي اعترف به كل العالم»، مؤكداً أن إيران ستستمر في تطوير برنامجها.
وفي السياق، نقلت وسائل إعلام روسية عن سفير روسيا في الولايات المتحدة، سيرغي كيسلياك، قوله أمس، إنه لا توجد «خلافات جوهرية» بين موسكو وواشنطن بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وإن موسكو عازمة على إقامة حوار مع واشنطن حول الاتفاق الإيراني وإن الخلافات القائمة تتعلق بالأسلوب فقط.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، قد دعا الإيرانيين مطلع الأسبوع إلى المشاركة في الاحتجاجات للتأكيد أن إيران لا تخشى «التهديدات الأميركية»، وذلك بعدما وجّه ترامب الأسبوع الماضي «تحذيراً» إلى طهران وفرض عقوبات جديدة ردّاً على اختبار صاروخي أجرته.
ووسط تعبير الملايين عن غضبهم من البلد الذي لا علاقات دبلوماسية معه منذ عام 1980، أعرب بعض المتظاهرين عن تقديرهم للأميركيين الذين وقفوا ضد حظر السفر الذي كان قد أصدره ترامب، ولا سيما أن محكمة استئناف أميركية أمرت بوقف العمل بهذا المرسوم المثير للجدل.

سخرية إيرانية من ترامب!

وتتابعت ردود الأفعال الإيرانية على قرارات ترامب وتصريحاته، وقد وصلت إلى حد السخرية. ففي مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية وقناة «فرانس-24»، أمس، قال المستشار الدبلوماسي لخامنئي، علي أكبر ولايتي، إن الرئيس الأميركي لم يستطع منع الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، من تعميق علاقاتها بإيران. وأشار ولايتي إلى أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، زار طهران أواخر كانون الثاني الماضي، بمرافقة وفد اقتصادي كبير. وتابع بالقول إن «السيد ترامب خبير في تصريحات متناقضة، كما لو أنه لا يهتم بالحفاظ على أصدقائه... يرى أن الاتحاد الأوروبي لا فائدة منه وأنه في حالة كارثية، ويشجّع فرنسا وألمانيا على مغادرته كما فعلت بريطانيا... وينتقد الناتو... ويهاجم اليابان وألمانيا والصين وأميركا اللاتينية والمكسيك»، مضيفاً، بسخرية: «بات علينا بذل جهود كبيرة لنجد بلداناً لا يختلف معها ترامب».
على مقلب آخر، كان لافتاً في اليومين الأخيرين تخفيف الرئيس الأميركي من حدّة تصريحاته الخارجية في ما له علاقة بالصين، بعدما وافق على احترام سياسة «صين واحدة»، وذلك في خلال اتصال هاتفي مع نظيره الصيني شي جين بينغ. وكان ترامب قد أثار غضب الصين في كانون الأول الماضي حينما تحدّث هاتفياً مع رئيسة تايوان، وقال إن الولايات المتحدة «ليست مضطرة إلى التقيد بسياسة صين واحدة»، التي تقرّ واشنطن بموجبها بموقف بكين، بأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها. وذكر بيان للبيت الأبيض أن الرئيسين تحدثا طويلاً، مساء أول أمس، «ووافق الرئيس ترامب بناءً على طلب الرئيس شي على احترام مبدأ صين واحدة». وتعقيباً على موقف ترامب، قال المتحدث باسم رئيسة تايوان، في بيان أمس: «إنّ من مصلحة تايوان أن تحافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والصين... إذ إن ذلك يصب في مصلحتنا الوطنية، وهو أمر مهم للسلام الإقليمي والاستقرار».
وفي سياق آخر، حذرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أمس، إدارة ترامب من أي «تدخل» في سياسة الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي عن «بريكست». وقالت موغيريني التي اختتمت زيارتها الأولى لواشنطن منذ تولي ترامب الرئاسة: «نحن لا نتدخل في سياسة الولايات المتحدة... والأوروبيون يعوّلون على عدم تدخل أميركا في السياسة الأوروبية».
ورداً على سؤال بشأن محاولة موقع «برايتبارت نيوز» اليميني الذي كان يديره مستشار ترامب للقضايا الاستراتيجية ستيفن بانون، التأثير بنتائج الانتخابات المرتقبة هذا العام في فرنسا وألمانيا، قالت المسؤولة الأوروبية: «أعتقد أن وحدة الاتحاد الأوروبي باتت أوضح الآن مما كانت عليه قبل أشهر عدة. ويجب أن يفهم ذلك بوضوح هنا».
وأتت تصريحات موغيريني عقب لقائها أول من أمس، وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون ومستشاري ترامب مايكل فلين وجاريد كوشنر.

القضاء يصفع ترامب مجدداً

وتوالت مجمل تلك الأحداث، بعد خسارة دونالد ترامب «جولة أخرى» في معركته ضد القضاء الأميركي، الذي وجّه صفعة جديدة إلى الرئيس وقرار الحظر. فقد أعلنت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو، في قرار صدر أول أمس، أن طعن الإدارة الأميركية في قرار القاضي الفدرالي بتعليق مفاعيل المرسوم الرئاسي الذي حظر مؤقتاً الهجرة والسفر من سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، «مرفوض». وخلص القضاة إلى أن الإدارة «لم تثبت أن الإبقاء على تعليق المرسوم سيلحق ضرراً خطيراً بأمن الولايات المتحدة»، ما دفع الرئيس الجديد إلى التعبير عن غضبه على «تويتر»، كالعادة، وكتب في تغريدة: «أراكم في المحكمة، أمن بلادنا على المحك!». ووصف ترامب، في حديث مع الصحافيين، القرار بـ«السياسي»، مؤكداً أنه في نهاية المطاف «سنكسب القضية».
وفي تفاصيل قرار المحكمة، رأت هيئة المحكمة المكونة من ثلاثة قضاة في محكمة استئناف الدائرة الأميركية التاسعة، وبالإجماع، أن إدارة ترامب «لم تقدم أي دليل يبرهن أن هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي، ولا أي إثبات على أن شخصاً من الدول التي يريد ترامب حظر رعاياها نفّذ أي اعتداء في الولايات المتحدة».
وقال حاكم ولاية واشنطن، جاي إنسلي، الذي طعن في القرار أمام القضاء: «لا أحد فوق القانون، ولا حتى الرئيس». كذلك، أبدى المدعي العام لولاية واشنطن، بوب فيرغوسون، ارتياحه لهذا «الانتصار»، داعياً ترامب إلى «سحب مرسومه الخاطئ والمتسرع والخطير». كذلك، أكّدت «الجمعية الأميركية للحريات المدنية» أن «المحاولات الفوضوية من جانب الإدارة لإعادة فرض حظر غير دستوري، كان لها تأثير فظيع في أفراد أبرياء وفي قيم البلاد وفي مكانتنا في العالم».
من الجانب «الجمهوري»، أصر السيناتور توم كوتون، على أن المرسوم الرئاسي «قانوني تماماً»، ورأى أن محكمة الاستئناف، التي «تميل إلى اليسار»، أظهرت «سوء تقدير»، مشيراً إلى أن قراراتها غالباً ما «تكسرها المحكمة العليا». وكان وزير الأمن الداخلي الأميركي، جون كيلي، قد دافع في شهادة أمام الكونغرس الثلاثاء الماضي، عن قرار الحظر، معتبراً أنه «ليس ضد المسلمين، بل ضد الدول الفاشلة أمنياً»، مشيراً إلى أن الدول غير الموجودة على القائمة لديها «أنظمة أمنية قوية... مثل مصر والسعودية والإمارات ولبنان».