طهران | في عام 2014، اكتشفت شركة «كاسبرسكي» الروسية للأمن المعلوماتي وجود فيروس إلكتروني جديد ضرب أجهزة إلكترونية محددة في أوروبا. عندها، قررت الشركة الروسية إجراء مسح شامل لملايين المستخدمين لبرامج «كاسبرسكي» لمعرفة الوجهة التي تم استهدافها عبر هذا الفيروس، وبعد إجراء عمليات بحث في ملايين الحواسيب لمستخدمين في الاتحاد الأوروبي، أظهرت نتائج البحث إصابة «مشغلات أساسية» في بعض الفنادق الأوروبية. بعدها تمت عملية المسح للفنادق، ليظهر وجود هذا الفيروس في ثلاثة فنادق أوروبية، كان القاسم المشترك بينها أنها ذاتها التي استضافت المباحثات النووية بين إيران والدول الست، في سويسرا والنمسا.
بعد الكشف عن المستهدف، بدأ البحث في طبيعة هذا الفيروس ليتبين أنه نسخة مطورة عن فيروس «دوكو» (duqu) الذي جرى اكتشافه، عام 2011، من قبل الشركة الروسية، حيث يعتقد أن هذا النوع من الفيروس بُرمج من قبل إسرائيل للتجسس على البرنامج والمباحثات النووية الإيرانية.
أول إشارة أميركية إلى إمكانية أن يكون هذا الفيروس إسرائيلياً كانت العام الماضي، حين كشفت بعض المصادر السياسية الأميركية عن احتمال أن يكون الفيروس من برمجة تل أبيب، بهدف جمع معلومات عن البرنامج النووي الإيراني. صحيفة «والستريت جورنال» قامت بنشر مقال حول الموضوع، موضحة أن بعض التحليلات لخبراء أميركيين تشير إلى أن طبيعة عمل هذا الفيروس تتطابق مع التكتيكات الإسرائيلية لجمع المعلومات إلكترونياً.
الكشف عن النسخة الجديدة من الفيروس وجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل بقيامها باستهداف الأنظمة الإلكترونية للفنادق التي كانت تعقد فيها الاجتماعات النووية، وبالتالي يمكن لهذا الفيروس الجديد الولوج إلى داتا الاتصالات والملفات الإلكترونية، وأيضاً الحواسيب التي تستخدم مشغل الإنترنت في الفنادق، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى كاميرات المراقبة وأخذ كل داتا المعلومات المتعلقة بحركة المصاعد والهواتف داخل الفنادق. إلا أن اللغز الحالي يكمن في كيفية قيام هذا الفيروس بسحب المعلومات وإرسالها إلى الجهات المشغلة.
الواضح أن اتهام إسرائيل بالتجسس يكمن في تعقيدات وتقنيات الفيروس، فالشركة الروسية لم تتهم إسرائيل رسمياً ولكنها أرسلت إشارات واضحة إلى هذا الاتهام، من خلال اسم الفيروس الذي أطلق عليه اسم DUQU BET، وهو التلفظ العبري للحرف الثاني من الأبجدية العبرية، ما يعد إشارة واضحة إلى اتهام تل أبيب بالوقوف خلف برمجة وإرسال هذا الفيروس، إضافة إلى وجود تجارب سابقة عبر عمليات الـ«سايبر»، كفيروس «ستاكس نت»، الذي كاد أن يؤدي إلى كارثة نووية لولا اكتشافه باكراً من قبل خبراء المعلوماتية الإيرانيين والروس في المنشآت النووية ومفاعل أبو شهر الكهروذري جنوب إيران، ما جنب البلاد والمنطقة كارثة «تشيرنوبل جديدة» في الشرق الأوسط.
التوقيت الزمني أيضاً الذي انطلق منه هذا الفيروس يغطي النطاق الزمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني أن مشغل الفيروس انطلق عمله من منطقة الشرق الأوسط. وبوجود الإمكانات المتواضعة «سايبرياً» لدى الدول العربية مقارنة بإسرائيل، فإن أصابع الاتهام تتجه نحوها، وخصوصاً مع وجود أخطاء لغوية إنكليزية في برمجة الفيروس، الأمر الذي يثبت عدم التمكن اللغوي للمبرمج من اللغة الإنكليزية.
إيران طالبت، بشكل رسمي، عبر وزارة الخارجية حكومتي النمسا وسويسرا بحماية مقار الاجتماعات النووية «سايبرياً»، وفتح تحقيق بشأن عمليات التجسس على أراضيها وتقديم توضيحات لطهران حول هذا الموضوع، كما طلبت من قيادة وحدة الـ«سايبر» في الحرس الثوري الإيراني عدم استخدام الهواتف الذكية وعدم نقل أو تبادل المعلومات أو الملفات عبرها، كونها عرضة للتجسس الدائم. كل ذلك يعيد فتح الباب على الحرب المعلوماتية الطاحنة التي تدار عن بعد، بين إسرائيل ومحور المقاومة، والتي سيكون لها كلمة الفصل في حرب الأدمغة المفتوحة من خلف شاشات الحواسيب في مواجهةٍ ستحسم الكثير من المعارك قبل حدوثها.