باريس | خلافاً للكثير من الشائعات التي خيّمت على الطبقة السياسية الفرنسية، طوال عطلة نهاية الأسبوع، لم يعلن المرشح اليميني لانتخابات الرئاسة، فرنسوا فيون، في خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، في مقر حملته الانتخابية بالدائرة الخامسة عشرة من باريس، انسحابَه من المعترك الانتخابي، تحت ضغوط الفضائح المالية التي تطارده منذ أسبوعين.
واعتمد فيون نبرة الصراحة، معترفاً بأنه أخطأ في الاستعانة بزوجته وأولاده، في مقابل رواتب مجزية صرفت لهم على مدى سنين من الموازنة المخصصة له كنائب برلماني، واعتذر رسمياً من الفرنسيين. لكنه لم يلبث أن استدرك بأن ما فعله أمر رائج وغير مخالف للقانون، وخاصة أن بعض وقائعه تعود إلى أكثر من عشرين عاماً. وخلص إلى القول بأنه يتفهم تماماً أن «الرأي العام الفرنسي لم يعد يتقبل مثل هذه الممارسات، التي كانت أمراً مقبولاً في السابق». بالتالي، قال إنه لا بد من تعديلات للتشريعات، لوضع حدّ لأيّ التباس قد تسببه استعانة البرلمانيين بمساعدين من أفراد عائلاتهم.
ولتأكيد أنه لم يرتكب أي مخالفة من وجهة النظر القانونية، بالرغم من الخطأ الأخلاقي الذي لم يتردد في الاعتراف به، أعلن فيون أنه سينشر على موقع حملته كافة الوثائق المتعلقة بعقود عمل ورواتب زوجته وأولاده، فضلاً عن الأدلة التي تثبت أن كل تلك المداخيل أُفصح عنها لمصالح الضرائب، ما يثبت أنها كانت قانونية، وأُخضعت للضريبة على الدخل.
من هذا المنطلق، أعلن فيون أنه باقٍ في المعترك الانتخابي مرشحاً لـ «الجمهوريين». ولم يكتف بهذه الاستراتيجية الدفاعية، بل بادر إلى شنّ هجوم مضاد، عبر اتهام «جهات عليا في جهاز الدولة» (في تلميح واضح إلى رئاسة الجمهورية ووزارة العدل) حرّضت الشُّعبة القضائية المتخصصة في القضايا المالية (وهي هيئة خاصة أُنشئت، قبل عامين، على إثر فضيحة التهرب الضريبي التي تورط فيها وزير الاقتصاد الاشتراكي السابق، جيروم كاوزاك)، للتسريع بفتح تحقيق حول تسريبات «لوكانار أونشينيه» المتعلقة بزوجة فيون وأولاده.

لم يكتف بالاستراتيجية
الدفاعية، بل بادر إلى شنّ
هجوم مضاد

وقد كان لافتاً، بالفعل، أنّ التحقيق ضد فيون فُتح بعد أقل من أربع وعشرين ساعة، وجرى الاستماع إلى الشهود الأوائل في خلال يومين، ثم استُدعي فيون وزوجته بعد أقل من أسبوع. وهو أمر مفاجئ، مقارنة بالبطء الذي تتسم به الإجراءات القضائية في فرنسا، والتي تستغرق في العادة أشهراً طويلة. وبالرغم من أن فرنسوا فيون تفادى الإجابة بالنفي أو الإيجاب عن أسئلة الصحافيين الذين حاولوا معرفة إن كان حديثه عن «جهات عليا في جهاز الدولة» حرضت على تسريع التحقيق الفضائي ضده، يتضمن تلميحاً إلى الأمين العام لقصر الإيليزيه، جان بيار جوييه، الذي سبق أن اتُّهم، قبل عامين، بالتحريض على تسريع التحقيقات القضائية ضد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، فإنّ الشكوك باتت في مرمى رئاسة الجمهورية، التي سيكون عليها الإجابة عن هذه التساؤلات.
من خلال هذه الهجمة المضادة، استعاد فيون استراتيجية شهيرة كانت معتمدة في عهد جاك شيراك، للالتفاف على الفضائح المالية. تتمثل تلك الاستراتيجية، التي كان عرَّابها وزير الداخلية السابق شارل باسكوا، في خلق «فضيحة داخل الفضيحة»، لقلب جدلية المذنب والضحية، وصرف انتباه الرأي العام عن التهم الأصلية.
لا تقتصر «الفضيحة داخل الفضيحة»، التي خطط لها فريق فيون، على توجيه الاتهام إلى وزارة العدل ورئاسة الجمهورية بتحريض القضاء على المرشح اليميني، بل يستعد المحامي الشهير، إيريك ديبون موريتي، الذي التحق بفريق الدفاع عن فيون في نهاية الأسبوع الماضي، لتوجيه ضربة قاصمة إلى الادعاء القضائي، من خلال الطعن في صلاحية «شعبة القضايا المالية» في النظر بالتهم الموجهة إلى فيون في ما يتعلق بالاستعانة بزوجته وأولاده كمساعدين برلمانيين. ويستند المحامي الشهير إلى مبدأ فصل السلطات الذي يمنح النواب حصانة برلمانية تستثنيهم من الشخصيات السياسية التي أنشأت هذه الشعبة خصيصاً للسهر على شفافية معاملاتها المالية.
وإذا نجح الدفاع في استعمال هذه الثغرة القانونية لإلغاء التحقيق القضائي الذي فُتح قبل أسبوعين، لن يضع ذلك حداً للمتابعات القضائية ضد فيون، حيث سيكون على المدعي العام لمدينة باريس، فرانسوا مولانس، فتح تحقيق جديد في القضية. لكن هذا التحقيق سيسلك المنحى القضائي التقليدي، وسيستغرق أشهراً عدة، بالتالي، سوف تتراجع الضغوط التي تخيّم على حملة فيون، ولن يكون معرضاً، في هذه الحالة، لخطر تلقيه إدانة قضائية رسمية ترغمه على الانسحاب من المعترك الرئاسي.