أعلنت موسكو على لسان عدد من مسؤوليها، أمس، أنها تختلف مع دونالد ترامب بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، وأكّدت رفضها اتهام إيران بأنها «راعية للإرهاب». وقال المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، تعليقاً على تصريحات ترامب المعادية لإيران، إن روسيا «لا تتفق» مع ترامب في هذه المسألة، وترى الأمور «بشكل مختلف».
وجاء ردّ الكرملين بعدما وصف الرئيس الأميركي إيران، في مقابلة مع محطة «فوكس نيوز»، بـ«الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم... (إذ إنها) ترسل الأسلحة والمال إلى أماكن كثيرة»، علماً بأنّ هذا الحديث يتناقض مع تصريحات سابقة لترامب، أكّد فيها أن السعودية هي «أكبر مموِّل للإرهاب في العالم».
وأشار بيسكوف إلى أنه «ليس سراً أن مواقف موسكو وواشنطن تختلف جذرياً حول عدد كبير من الملفات الدولية والإقليمية، ولكن يجب ألّا يمثل ذلك عائقاً أمام بناء علاقات عملية تقوم على أساس المنفعة المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة». وفيما أوضح أن التحضيرات لإجراء مباحثات بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني حسن روحاني جارية، دون تحديد موعدها، شدّد على أن موسكو «تحترم كثيراً علاقات الشراكة الطيبة التي تربطها مع طهران، ولا سيما في المجالين التجاري والاقتصادي، وتأمل مواصلة تعزيز هذه العلاقات».
وفي السياق، دافع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن إيران، قائلاً إن «روسيا لم تلاحظ قطّ وجود أي علاقات بين إيران وداعش أو جبهة النصرة أو أي تنظيم مدرج على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية». وأكّد الوزير الروسي، في خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته الفنزويلية ديلسي رودريغيز، في موسكو، أنّ على «إيران أن تشارك في الجهود الجماعية لمحاربة الإرهاب»، ولا سيما أنها من خلال وجودها في سوريا «الذي جاء استجابةً لطلب الحكومة السورية الشرعية»، لعبت دوراً رئيسياً في «محاربة داعش».
على صعيد متصل، انتقدت موسكو، على لسان نائب وزير خارجيتها، سيرغي ريابكوف، فرض إدارة ترامب عقوبات إضافية على إيران إثر قيام الأخيرة بتجربة صاروخ بالستي. وأعلن ريابكوف الذي استقبل في موسكو مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن بلاده لا ترى أنه يوجد أي عقبات تُذكر (حتى بعد تجربة الصاروخ) أمام تنفيذ الاتفاق النووي، مشدداً على أن إطلاق إيران لصواريخ باستخدام تكنولوجيا متقدمة «لا يشكل خرقاً لخطة العمل المشتركة والقرار الدولي رقم 2231». ورأى أيضاً أن إعادة فتح هذا الملف فيه «مخاطرة كبيرة جدّاً»، داعياً ترامب إلى أن لا يحاول «إصلاح شيء لم ينكسر».
وبطبيعة الحال، يتوافق موقف روسيا مع إيران التي تكرر أنها «لا تأخذ إذناً من أحد للدفاع عن نفسها»، وأنها «ستواصل أنشطتها الصاروخية». وشدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أمس، على أن «تجربة إيران الصاروخية ليست رسالة للحكومة الأميركية الجديدة... لا توجد حاجة لاختبار السيد ترامب لأننا سمعنا آراءه بشأن قضايا مختلفة في الأيام الأخيرة... نحن نعرفه جيداً».
في غضون ذلك، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تقريراً بعنوان «إدارة ترامب تسعى إلى دقّ إسفين بين روسيا وإيران»، أوردت فيه، نقلاً عن مصادر في إدارة ترامب، ومسؤولين أوروبيين وعرب، أن واشنطن تسعى إلى استكشاف سبل من أجل تفكيك التحالف الدبلوماسي والعسكري بين روسيا وإيران، في محاولة لإنهاء الصراع السوري من ناحية، وتعزيز القتال ضد تنظيم «داعش» من ناحية أخرى. وقالت الصحيفة «إن هذه السياسة الناشئة ترمي إلى التوفيق بين تعهدات ترامب لناحية تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي، ولناحية تحدي النفوذ العسكري لإيران، أحد الحلفاء الأساسيين لموسكو، في الشرق الأوسط».
ونقلت «وول ستريت» عن الخبير الروسي ورئيس مركز المصالح القومية في واشنطن، ديمتري سايمز، أنه إذا قرر الكرملين تقليص إمداداته العسكرية لإيران، فمن المتوقع «أن نشهد انحساراً ملموساً للعقوبات»، لأن الروس «لا يؤمنون بالوجبات المجانية». لكنها أضافت أن «إقناع الرئيس بوتين بتفكيك تحالفه مع طهران سيكون صعباً ومكلفاً وسيؤثر بتحالفات واشنطن مع شركائها الغربيين». وجدير بالذكر أنه إزاء الخشية الأوروبية من أن أي تحرك أميركي لتخفيف العقوبات على روسيا، أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي أمس، أن الاتحاد سيبقي العقوبات على روسيا «حتى تتخلى عن دعمها للتمرد الانفصالي في أوكرانيا».
وردّاً على سؤال عمّا نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن السعي إلى تقسيم «التحالف العسكري والدبلوماسي» بين موسكو وطهران، قال ريابكوف إن هذه التقارير «مجرد تلاعبات لا أساس لها، هدفها تسميم العلاقات الاميركية ــ الروسية».
ويجد الحديث عن زعزعة العلاقات الأميركية الروسية صدى في الإعلام الأميركي. وقد تناولت صحيفة «واشنطن بوست» هذه المسألة، بالقول إنه نظراً إلى «الوجود الإيراني الكبير في المنطقة»، من الصعب على ترامب أو أي رئيس آخر التصدي لطهران دون أن يكون لذلك عواقب وخيمة، إذ إن إيران لديها «صواريخ تستطيع ضرب القواعد العسكرية الأميركية وحلفاء أميركا في المنطقة... ولديها شبكة تحالفات حوّلتها إلى أقوى لاعب في الشرق الأوسط».

إيران: ليست
التجربة الصاروخية رسالة لترامب، فنحن نعرفه جيداً


على صعيد آخر، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في لندن أمس، تأكيده لتوافقه مع الإدارة الأميركية الجديدة، داعياً «الدول التي تتحلى بالمسؤولية» إلى اتباع مثال الولايات المتحدة عبر المطالبة بعقوبات جديدة على ايران. وقال في خلال لقاء مع نظيرته البريطانية تيريزا ماي، إنّ «إيران تسعى إلى القضاء على إسرائيل. إنها تهدد العالم وتمارس استفزازاً بعد آخر. لذلك، أُشيد بإصرار الرئيس ترامب على المطالبة بعقوبات جديدة ضد إيران. ويجب أن تتبع مثاله دول أخرى، وخصوصاً تلك التي تتحلى بالمسؤولية». وأضاف أنّ «إيران تسعى إلى القضاء على إسرائيل، وتقول هذا علناً، وهي تسعى إلى غزو الشرق الأوسط، وتهدد أوروبا والغرب والعالم». وتابع متوجهاً إلى ماي: «أود أن أتحدث معك عن الطريقة التي يمكننا فيها ضمان أن اعتداءات إيران لن تبقى من دون ردّ».
وكان ترامب قد جدّد، في المقابلة مع «فوكس نيوز»، معارضته للاتفاق النووي ووصفه بـ«المشين»، مشيراً إلى أن الاتفاق «منح إيران نحو 1.7 مليار دولار». ودافع عن أهمية بناء علاقات جيدة مع روسيا، وأكّد أن بوتين «شريك مهم في الحرب على الإرهاب، وبلاده تساعدنا في مكافحة تنظيم داعش وفي المعركة على الإرهاب الإسلامي حول العالم... وهذا شيء جيّد». يُشار إلى أنّ تقارير صحافية أميركية، تحدثت في خلال الأيام الماضية عن أن فريق ترامب سيستغني عن الخطة التي كان قد أعدّها فريق سلفه باراك أوباما، والتي تقضي بتسليح «الفصائل الكردية» من أجل معركة الرقة ضد تنظيم «داعش»، ليستبدل بها خطةً جديدة قد يكون لروسيا دور كبير فيها. وكان ترامب قد وقّع مرسوماً في نهاية الشهر الماضي، يعطي القادة العسكريين مهلة شهر لتقديم «استراتيجية شاملة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية».
(الأخبار)




«بوتين القاتل»... تشعل مواقع التواصل

خلال المقابلة مع فوكس نيوز، ردّ ترامب على سؤال حول علاقته ببوتين، بالقول: «أنا أحترمه. أنا أحترم عدداً كبيراً من الناس، لكن ذلك لا يعني أنني أتفق معهم»، وذلك قبل أن يقاطعه المذيع ويصف الرئيس الروسي بـ«القاتل». وهنا أضاف ترامب: «هناك الكثير من القتلة. لدينا الكثير من القتلة. هل تعتقد حقاً أن بلادنا بريئة؟».
وأثار هذا الرد موجة ردود فعل، سياسية وشعبية، غاضبة على مواقع التواصل. فانتقد عدد من الجمهوريين والديموقراطيين ترامب، ومن ضمنهم رئيس مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي وصف بوتين بـ«العميل السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي، والبلطجي»، وقال إنه «لا يوجد أي مجال للمقارنة بين تصرفات الروس وتصرفات الأميركيين». وفي السياق، وصف السفير الأميركي الأسبق لدى روسيا، مايكل ماكفول، تصريحات ترامب بـ«المقززة»، فيما طالب ديمتري بيسكوف محطة «فوكس نيوز» بالاعتذار من بوتين.