وصلت مبادرة الفاتيكان بشأن الأزمة السياسية في فنزويلا إلى طريق مسدود بعدما كانت تشكل نقطة أمل بانحسار الخلاف، وسط تصعيد متزايد في البلاد ينذر بمواجهة مفتوحة لحسم الواقع السياسي الذي بدا كأنه لا يتّسع للطرفين معاً.المعارضة، التي أطاحت قرار المجلس الدستوري باستعمالها تصويت البرلمان على إقالة الرئيس نيكولاس مادورو بذريعة قصوره في الأداء السياسي، أعلنت التعبئة العامة في صفوفها تحضيراً لاحتجاجات 23 كانون الثاني الجاري، التي دعا إليها «تجمع الطاولة الديموقراطية»، وانضم إليها القيادي المعارض مانويل روزاليس، الذي يرأس حزب «العهد الجديد».

رغم ذلك، لم يحسم تيار الزعيم المعتقل ليوبيلدو خياره بالانضمام بعد إلى هذه التظاهرات، ومن المتوقع أنها ستجوب عموم المدن الفنزويلية مطالبةً بإقالة مادورو والدعوة إلى انتخابات رئاسية وشيكة.
تحرك المعارضة أتى بعد أيام من تعيين القيادي الاشتراكي، طارق العيسمي، نائباً للرئيس في خطوة يرى اليمين الفنزويلي أنها جاءت لقطع الطريق أمام الإجراءات البرلمانية التي تهدف إلى عزل مادورو.
لكن المعارضة، التي انقسمت في ما بينها على الحوار السياسي مع الحكومة الاشتراكية، بدت موحدة في خطة الالتفاف على الدستور الفنزويلي الذي يحصر قرار عزل الرئيس بالمحكمة الدستورية، علماً بأنها رفضت مسبقاً هذه الإجراءات، ووصفتها بالمناكفة السياسية غير المبنية على أي مسوغات قانونية.
وقوبل التصعيد في الشارع بتصعيد حكومي تمثّل في إنشاء منظمة «ضد الانقلاب» التي يرأسها وزير الداخلية، الجنرال نستور ريفيرول، لمواجهة ما وصفته الحكومة بالمؤامرة الإرهابية لزعزعة الاستقرار. وعلى الفور باشرت المنظمة حملة اعتقال واسعة طاولت عدداً من ناشطي المعارضة بتهمة التحضير لإثارة الفوضى، وكان آخرها توقيف النائب عن «تجمع الطاولة» جيلبير كارو، وعدد من مستشاريه.

لم تقرأ المعارضة
رسالة تعيين نائب الرئيس
بطريقة صحيحة

هذه الإجراءات وصفها الصحافي الفنزويلي المعارض خوسيه ميليان بأنها رسالة واضحة عما ستفضي إليه الأيام القليلة المقبلة بعد غياب أي وساطة أو مبادرة سياسية، ووصول الأزمة بين الأطراف المتنازعة إلى حدها الأقصى. وأمام هذا الواقع، تبدو الحكومة منهكة أمام أمرين مريرين: الأول معارضة شرسة باتت غير مكترثة بالنتائج الكارثية لهذه المواجهة، وخصوصاً بعد إفشال كل المبادرات السياسية، والثاني واقع اقتصادي وأمني على حافة الانهيار.
وتشير الأرقام، التي نشرها «المرصد الفنزويلي لحالات العنف»، إلى أن البلاد حلت في المرتبة الثانية في الجريمة على مستوى العالم، فيما تصدرت كاراكاس المدن العالمية في عمليات العنف والسطو. هنا يتحدث قيادي اشتراكي إلى «الأخبار» عن اقتناع حزبه بأن المعارضة تسعى إلى الاستئثار بالسلطة، حتى لو استدعى هذا الطموح حرباً أهلية، وبأن الاشتراكيين استنفدوا كل الوسائل من أجل التفاهم مع المعارضة تفادياً لما هو أسوأ.
القيادي نفسه كشف عن رسائل وجهت إلى المعارضة قبل الأزمة الأخيرة، ومفادها أن «الاشتراكي» مستعد لتقديم تضحيات جسام من أجل التوصل إلى مصالحة داخلية تنهض بالبلاد وتخلصها من أزماتها المتراكمة، لكن هذا القيادي يرفض في الوقت نفسه «محاولة المعارضة إلغاء الحزب الاشتراكي من المعادلة السياسية الفنزويلية».
كذلك رأى أن قراءة المعارضة قرار تعيين العيسمي قد تكون في غير محلها، لأن «الرجل أثبت نجاحاً كبيراً في محاربة الفساد ومافيا المخدرات والسلاح، وإنجازاته تشير إلى أنه يتمتع بصفات رجل الدولة من الطراز الأول». وتابع: «توصيفه (العيسمي) بالمقرب من حزب الله وحماس وإيران يكشف حقيقة المعارضة التي ترتبط عضوياً بدول خارجية معادية لفنزويلا وتتبنى حتى مفرداتها السياسية... لماذا لم تقرأ المعارضة في تعيين نائب الرئيس مبادرة من الاشتراكي مفادها أنه مستعد للتضحية في أعلى المواقع من أجل الاستقرار والسلام في فنزويلا؟».