طهران | «هاشمي سيبقى حياً ما دامت النهضة حية»؛ جملة شهيرة لمؤسس الثورة الإسلامية الإمام الخميني عن الرئيس الأسبق الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، یجري تكرارها منذ يوم أمس، في إيران التي تعيش حالة ذهول، بسبب وفاة الشيخ مساء أول من أمس.
تزامنت رحلة الشيخ إلى الدار الآخرة مع الذكرى السنوية لوفاة رئيس وزراء الحكومة الإيرانية في بداية عهد الملك ناصر الدين القاجاري، ميرزا محمد تقي خان فراهاني (10 كانون الثاني 1852)، الملقب بـ»الأمير الكبير». ولهذا عنونت صحيفة «آرمان» المقرّبة من أسرة هاشمي، صباح رحيله، بالقول: «إيران تنعى أمیرها الكبير».
یُنظر إلی الرئيس الإيراني الأسبق على أنه شخصية مثيرة للجدل والانتقاد، طيلة السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد أحداث الانتخابات الرئاسية عام 2009. حينها، تزايدت موجة الانتقادات الشعبية والسياسية ضده، بعد قيامه ببعث رسالة من دون تحية وسلام إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، خلال أحداث الشغب التي تلت انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لولايته الرئاسية الثانية.
ومن المعروف في المجتمع الإيراني أن رفسنجاني الذي واجه عزلة سياسية بعد عام 2009، استقطب الأصوات الرمادية والمعارِضة للثورة، خصوصاً من جيل الشباب، في العاصمة وكبرى المدن الإيرانية. وقد ظهر ذلك خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، وأفضى إلى انتخاب الرئيس حسن روحاني المقرّب منه، فيما انتهت انتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة، العام الماضي، بفوزه وفوز أنصار الحكومة في طهران.
وأثار الشيخ هاشمي موجة انتقادات لاذعة ضده، حين اشتهرت لائحته الانتخابية لعام 2016 بـ»الفهرس البريطاني»، بعدما أوصت قناة الـ»بي بي سي»، الناطقة بالفارسية، سكان العاصمة بالإدلاء بأصواتهم لمصلحة الفهرس الذي قدّمه رفسنجاني. وكان قد سبق ذلك تحذير المرشد الأعلى، ودعوته إلى عدم الإصغاء إلى صوت العدو، إلا أن النتيجة جاءت خلافاً لما نصح به السيد علي خامنئي، وفاز «الفهرس البريطاني» بالأغلبية الساحقة لأصوات مدينة طهران.
بعد وفاته، انخفضت الأصوات المنتقدة له في المجتمع، حيث من الصعب سماع أي شيء ضده. حتى إن موقع «تابناك»، المقرّب من التيار الإصلاحي، ذكر أن الصحف الإيرانية، بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها، تركت النقاشات والخلافات السياسية جانباً، مشيدة بالنهج المعتدل الذي تصرّف به الجميع إزاء خبر رحيل الرئيس الأسبق.
وأكثر من ذلك، قام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي يعدّ من ألدّ الخصوم السياسيين لرفسنجاني، بإصدار بيان تعزية، أعرب فيه عن أسفه لنبأ وفاة الشيخ هاشمي، واصفاً إياه برفيق درب قائد الثورة الإسلامية، وإحدى الشخصيات السياسية المؤثرة في العقود الأخيرة للبلاد. كذلك عزّى حرس الثورة الإسلامية، المعروف بتعارضه مع الأفكار السياسية لهاشمي رفنسجاني وأنصاره، برحيله، ووصفه بأنه كان يشكل جزءاً مهماً في تاريخ الثورة الإسلامية.
من جهة أخرى، دعت الحكومة الإيرانية، برئاسة حسن روحاني ــ والتي بات يصفها البعض بـ»یتیم فقد أباً حنوناً له» ــ الشعب الإيراني إلى الحضور الحاشد في مراسم تشييع رفسنجاني، صباح اليوم. ويؤدي المرشد الأعلى صلاة الميت في مصلّى جامعة طهران، عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً، فيما يُدفن جثمان الشيخ بجوار مرقد مؤسس الثورة الإمام الخميني، جنوب العاصمة، بعدما كان من المقرّر أن يتم دفنه في مدينة قم.
وقامت بلدية طهران التي يُشتهر عمدتها محمد باقر قاليباف بأنه من أكثر الشخصيات معارضة لرفسنجاني، برفع صور كبيرة للشيخ الراحل في شوارع العاصمة، يظهر في معظمها الشيخ إلى جانب السيد علي خامنئي. كذلك، رُفعت لافتات كتبت عليها عبارة «لا أحد بالنسبة إلي كالسيد هاشمي»، وهي الجملة الشهيرة لخامنئي، التي وصف فيها الشيخ الراحل.
وفي محاولة لجذب حشد كبير من الشعب لحضور تشييع الأب الراحل، قال محسن هاشمي رفسنجاني، النجل الأكبر للشيخ، إن مراسم التشييع ستبدأ من ساحة «الثورة» حتى ساحة «سكة الحديد»، وهو طریق یبلغ طوله أكثر من 8 كيلومترات.
في هذه الأثناء، تتجنّب الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية والمحلّلون السياسيون الدخول في تحليل المناخ السياسي ومستقبله في إيران، خصوصاً في ما يتعلق بمرحلة ما بعد هاشمي رفسنجاني. ولكن صحيفة «جهان صنعت»، المحسوبة على الإصلاحيين، كتبت في افتتاحيتها أمس أن «تاريخ إيران سوف ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة هاشمي رفسنجاني، ومرحلة ما بعد هاشمي رفسنجاني»، داعية الشعب إلى «إقامة مراسم تشييع حاشد، يكون لائقاً بشخصية كبيرة، كرفيق درب الإمام الخميني ومناصر قائد الثورة آية الله علي خامنئي».