هيثة النصيحة والإصلاحبيان رقم (2)
دعوتنا... للنصيحة والإصلاح


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله للقائل في محكم كتابه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). آل عمران.
والصلاة والسلام على رسول الله محمد القائل: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

ملك المملكة العربية السعودية فهد بن عبد العزيز آل سعود، شعب الجزيرة العربية المسلم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
فقد سبق لكم أيها الملك أن أرسلتم إلينا مراراً، وألححتم تكراراً، رغبة منكم من عودتنا للداخل، وأبديتم حرصاً شديداً، وعزماً أكيداً على بلوغ ذلك بوسائل شتى، وطرق عدة.
وعلم الله ما بنا عن بلادنا رغبة، ولا لنا عنها إلى غيرها تشوف، كيف وهي مهبط الوحي ومنبع الرسالة؟ وقد كانت مسقط الرأس ومرتع الطفولة.
ولكن الوقائع السابقة والقرائن والأحداث اللاحقة أقنعتنا بضرورة وجودنا في الخارج إلى حين، وأكدت لنا أن رغبتكم هذه وراءها ما وراءها.
ونحن لا نقول هذا الكلام من باب سوء الظن وافتراض الشر، ولكن سوابق منعنا من النصح، وسلبنا حق السفر، وما تبع ذلك من تجميد أموالنا منذ سنتين والعمل على التشهير بنا في إعلامكم في الداخل والخارج، وأخيراً محاولة قطع صلاتنا بالبلاد وأهلها عن طريق مصادرة وإلغاء وثائق الهوية الشخصية العائدة إلينا دون ذنب ارتكبناه أو جرم اقترفناه، إلا أن نقول ربنا الله، محاولة منكم لثنينا عن القيام بواجب النصح والبيان، كل ذلك يؤكد حقيقة ما ذهبنا إليه.
غير أن هذه كلها أمور لا نحفل بها كثيراً، لأنها في ظاهرها أمور شخصية، وقضايا خاصة، والخلاف بيننا في حقيقته يتجاوز توافه الأمور الشخصية وصغائر الشؤون الخاصة، إلى أمهات الأمور المهمة، وعظائم قضايا الأمة.
وقد سبق لنا أن وعدنا في بياننا الأول (رقم 1) أن نرجع إلى هذا الموضوع، ووفاءً بذلك الوعد يأتي هذا البيان، إحقاقاً للحق وإنصافاً للخلق، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة.
وسوف نجمل الأمور هنا إجمالاً دون تفصيل، وإيجازاً دون تطويل، على أن تجد سبيلها للشرح في خطابات لاحقة إن شاء الله، مكتفين في هذا الخطاب بالإشارة أحياناً دون العبارة، وبالتلميح دون التصريح، صيانة للقلم، وحفظاً للسان، مقتصرين بالتناول على ما يلي:
أولاً: لقد دأب علماؤنا الأجلاء، ودعاتنا الفضلاء، منذ زمن طويل على نصحكم وتذكيركم، متوخين في ذلك أسلوب الرفق واللين بالحكمة والموعظة الحسنة داعين إلى الإصلاح والتوبة من المنكرات العظام، والمفاسد الجسام، التي شمل التجاوز فيها حقوق المواطنين الشرعية، ومُحكمات الدين القطعية.
ولكن ـ للأسف الشديد ـ لم يجدوا منكم إلا الصدود والاعتراض، بل والسخرية والاستهزاء، ولم يقف الأمر عند حد تسفيههم فقط، بل تعززت المخالفات السابقة بمنكرات لاحقة أكبر وأكثر، كل ذلك في دولة العقيدة وبلاد التوحيد!! فلم يعد السكوت مستساغاً، ولا التغاضي مقبولاً.

لا يخفى أن تحكيم القوانين الوضعية معدود في نواقص الإسلام العشرة

ولما بلغ التجاوز ما بلغ، وتعدى حدود الكبائر والموبقات، إلى نواقص الإسلام الجليات، قامت مجموعة من العلماء والدعاة الذين ضاقت صدورهم ذرعاً بما أصم أذانهم من أصوات الضلال، وغشي أبصارهم من حجب الظلم، وأزكم أنوفهم من رائحة الفساد.
فانبعثت نذر الرفض، وارتفعت أصوات الإصلاح داعية لتدارك الموقف، وتلافي الوضع، وانضم إليهم في ذلك المئات من المثقفين والوجهاء، والتجار، والمسؤولين السابقين، فرفعوا إليكم العرائض والمذكرات المتضمنة المطالبة بالإصلاح، ففي سنة 1411هـ إبان حرب الخليج رفعت إليكم عريضة وقعها حوالي أربعمئة شخصية من هؤلاء تدعوكم لإصلاح أوضع البلاد، ورفع الظلم عن العباد. غير أنكم تجاهلتم النصح، واستهزأتم بالناصحين، وظلت الأوضاع تزداد سوءاً على سوء.
وحينئذ أعاد هؤلاء الناصحون الكرة من جديد بمذكرات وعرائض أخرى كان من أهمها مذكرة النصيحة التي سلمت لكم في محرم 1413هـ والتي شخصت الداء ووصفت الدواء، في تأصيل شرعي قويم، وعرض علمي سليم، فتناولت بذلك الفجوات الكبرى في فلسفة النظام، ومواضع الخلل الرئيسية في دعائم الحكم، فبينت ما يعانيه علماء ودعاة البلاد من تهميش وتحييد، بل ومن ملاحقة وتضييق.
وأوضحت حالة الأنظمة واللوائح في البلاد، وما تضمنته من مخالفات شملت التحريم والتحليل تشريعاً من دون الله.
وتعرضت لوضع الإعلام في البلاد الذي أصبح وسيلة لتقديس الأشخاص والذوات، وأداة لطمس الحقائق، وتزييف الوقائع والتشهير بأهل الحق، والتباكي على قضايا الأمة لتضليل الناس دون عمل جاد.
وتطرقت إلى حقوق العباد الشرعية المهدورة والمصادَرة في هذه البلاد.
وتناولت الوضع الإداري، وما يحكمه من عجز، ويشيع فيه من فساد.
وأبانت حالة الوضع المالي والاقتصادي للدولة، والمصير المخيف المرعب الذي ينتظره في ظل الديون الربوية التي قصمت ظهر الدولة، والتبذير الذي يبدد أموال الأمة إشباعاً للنزوات الشخصية الخاصة!! ثم تُفرض الضرائب والرسوم والمكوس وغير ذلك على الشعب؟!!! وهذا يسالمرافق الاجتماعية المزرية داخل البلاد والتي استفحلت بعد المذكرة وتفاقمت، وبخاصة خدمات المياه أهم مقومات الحياة.
وعرضت حالة الجتدعي من أخواننا التقشف والزهد والاقتصاد في المصاريف تحسباً لما قد أطال والله المستعان.
وكشفت عن حالة يش وما كشفته أزمة الخليج، ومن قلة أفراده، وضعف إعداده، وعجز قائد قواده، رغم ما أنفق عليه من أرقام فلكية لا تعقل!! ولا تخفى؟
وعلى مستوى القضاء والمحاكم، بينت المذكرة تعطيل العديد من الأحكام الشرعية، واستبدالها بالقوانين الوضعية.
وعلى صعيد سياسة الدولة الخارجية كشفت المذكرة ما تميزت به هذه السياسات من خذلان وتجاهل قضايا المسلمين، بل ومن مناصرة ومؤازرة الأعداء ضدهم وليست (غزة ـ أريحا) والجزائر عنا ببعيد، وغيرهما كثير.
ولا يخفى على أحد أن تحكيم القوانين الوضعية، ومناصرة الكافر على المسلم معدودة في نواقص الإسلام العشرة، كما قرر ذلك أهل العلم ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ومع أن المذكرة عرضت كل ذلك بلين عبارة، ولطف إشارة، مذكرة بالله، واعظة بالحسنى، في أسلوب رقيق ومضمون صادق ورغم أهمية النصيحة في الإسلام، وضرورتها لمن تولى أمر الناس، ورغم عدد ومكانة الموقعين على هذه المذكرة، والمتعاطفين معها، فإن ذلك لم يشفع لها، إذ قوبل مضمونها بالصد والرد وموقعوها والمتعاطفين معها بالتسفيه والعقاب.
غير أن اللواء لم يسقط بذلك، والراية لم تقع، وأنَّى يكون ذلك وفي أهل الحق عين تطرف، أو عرق ينبض؟! فقامت مجموعة من أهل العلم والنصح من جديد فشكلوا لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية مناصرة للحق ومؤازرة للمظلوم، غير أنها قوبلت بنفس الأسلوب، فلاقت نفس المصير وأشد.
كل ذلك بمباركة الهيئات الرسمية السلطانية التي سخرها النظام للدفاع عنه لا عن الدين، بعد تضليل وتلبيس الأمور على بعض أفرادها، وفصل وعزل من لم يقبل الابتزاز والتسخير من العلماء الصادقين ولا نزكي على الله أحداً، وفي تآمر مكشوف مع البعض الآخر، فسارعت هذه الهيئات المسخرة إلى إصدار بيانات رد واستنكار، تشبه في صياغتها وأسلوبها البيانات الأمنية والإعلامية، مفتقدة الحد الأدنى من النظرة الشرعية السديدة المفترضة في مثل هذه الهيئات في هذه البلاد ولا غرابة في ذلك فقد فقدت هذه الهيئات مكانتها وضيعت واجبها، بعد ان سلبت استقلالها، والحقت بالديوان الملكي، تتلقى الأوامر، وتتولى التنفيذ.
لقد اعطيت هذه الهيئات بذلك أكبر مبرر للشعب، لأن يسحب ثقته منها ويودعها من هو أهل لها من العلماء والدعاة الذين اثبتت الابتلاءات والمحن جدارتهم فكسبوا بذلك ثقة الشعب وتعاطف الأمة.
ثانياً: أما وقد وصل وضع البلاد الى ما وصل، من شيوع الفساد، والتضييق على العباد، ومحاربة أهل الحق وملاحقتهم في الداخل والخارج، فإننا ومن موقعنا هنا في الخارج، ووفاء بميثاق البيان، وأداء لواجب النصح، نعلن مواصلة ما بدأه علماؤنا وإخواننا في الداخل من النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا جزء لا يتجزأ من الدعوة الإسلامية، يجمعنا الهدف ويوحدنا المصير.
وبهذه المناسبة نؤكد تمسكنا بمطالب مذكرة النصيحة، وتأييدنا لما دعت إليه لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وكل المطالب الشرعية الأخرى.
ونظراً لتعذر العمل في الداخل في ظل الإرهاب والقهر المسيطرين حالياً، فإننا ومن موقعنا هنا، وبالتشاور مع بعض إخواننا في الجزيرة العربية قمنا بتشكيل هيئة للقيام بهمة النصح ومناصرة الحق تحت اسم (هيئة النصيحة والإصلاح).
وأخيراً نسأل الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، كما نسأله أن يولي علينا خيارنا، ويصرف عنا شرارنا.
ونذكر كل مسلم بالقيام بواجبه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التاريخ: 2/11/1414 هـ
الموافق: 13/4/1994 م
عنهم/ أسامة بن محمد بن لادن