معمّر عطوي
يبدو أن الأهداف التي وضعتها واشنطن كعنوان لحربها على أفغانستان لم تؤت ثمارها المرجوة، بعد مرور خمس سنوات على غزو هذا البلد بسبب حمايته لمنفّذي هجمات 11 أيلول في واشنطن ونيويورك، فلا هي استطاعت القضاء تماماً على فلول النظام الإسلامي السابق لحركة طالبان بقيادة الملّا عمر، ولا هي تمكّنت من القبض على زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.
وفي المحصّلة، أصبحت القوات الأميركية والغربية، التي قادت في السابق ما سمي بـ«قوات التحالف»، والتي تمّ تغيير هويّتها لتصبح قوات لمساعدة أفغانستان على إرساء الأمن تحت اسم «ايساف»، هدفاً لعمليات استنزاف طويلة تصاعدت وتيرتها خلال السنتين الأخيرتين بعدما أعادت طالبان ترتيب صفوفها، وتنظيم هيكلية جديدة، مستفيدة من قصور أفغاني رسمي في إدارة السلطة، وممارسة أميركية فضحت أهداف واشنطن الحقيقية التي لم يكن شعارها «محاربة الإرهاب» سوى وسيلة كاذبة تمكّنها من السيطرة على هذه المنطقة الواقعة في موقع جغرافي حساس سياسياً وأمنياً، وذات أهمية اقتصادية لقربها من بحر قزوين الذي يشكل مخزونه من الغاز والبترول ثاني احتياطي في العالم.
وفي الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة مناخات الذكرى الخامسة لأحداث أيلول، تشهد أفغانستان تطورات دراماتيكية متسارعة، مع تزايد وتيرة العمليات العسكرية التي وصلت خطورتها الى تخوم السفارة الأميركية خلال اليومين الماضيين في مقابل استمرار قوات التحالف الغربي والقوات الأفغانية الحكومية بتنفيذ عملية عسكرية أطلقت عليها اسم «ميدوزا» لملاحقة المقاتلين المحاصرين في الجنوب، حيث تقع ولاية قندهار، معقل «طالبان» الأساسيورغم كل التصريحات التي تفيد بين وقت وآخر عن سقوط عشرات المقاتلين من طالبان، تؤكد التطورات الميدانية أن الحركة التي تمتلك عمقاً شعبياً داخل قبائل البشتون المنتشرة في الجنوب والشرق لا تزال تمتلك زمام المبادرة، وتستولي تباعاً على بلدات وقرى، في ولايتي هلمند وزابل في الجنوب... وهناك الكثير من المناطق الريفية تعيش فراغاً سلطوياً، يمهد لسيطرة مقاتلي طالبان على مقرّات المديريات فيها.
يؤكد ذلك إعلان قائد الحلف الأطلسي الجنرال جيمس جونز أن قوات الحلفاء، التي فوجئت بمقاومة طالبان في جنوب أفغانستان، بحاجة الى تعزيزات، وهذا ما دفع رؤساء أركان الدفاع في دول حلف الأطلسي للاتفاق يوم الجمعة الماضي على ضرورة الوفاء بالالتزامات الواجبة عليهم تجاه «بعثة حفظ السلام في أفغانستان» التي تعاني نقصاً في الأفراد، بعدما طلبت هذه «البعثة» إرسال 2500 جندي إلى جانب 18500 موجودين بالفعل هناك.
لقد تمكنت حركة طالبان من العودة بقوة الى المشهد الأفغاني من كواليس الميدان العسكري، فيما تستمر قيادة حليفتها «القاعدة» في الظهور الإعلامي المصوّر، مهددة العالم الغربي ومن تطلق عليهم «الصليبيون». ولعل هذه الإطلالات، المواكبة لتحقيق الحركة المتشددة انتصارات عسكرية في مناطق عديدة، مرده إلى أسباب عديدة تقع مسؤولية حدوثها بالدرجة الأولى على الاحتلال الاميركي وبالدرجة الثانية على عاتق الحكومة التي يرأسها حميد قرضاي المقرّب من واشنطن، إذ يرى مراقبون مهتمون بالوضع الأفغاني أن تغييراً قد يحصل في البلاد قبل نهاية العام الجاري بسبب سوء أدائه السياسي وارتباطه مباشرة بالرئيس الأميركي جورج بوش حتى بات يوصف بأنه «مشروع بوش الشخصي في أفغانستان».
لعل أبرز التحديات التي واجهت الحكومة الأفغانية، ومن ورائها الولايات المتحدة: ضعف التنسيق بين القوات الأميركية والقوات الأمنية الأطلسية التي ترفض القيام بمهمات قتالية، الأمر الذي ضاعف من عمليات المسلحين ضدها وتكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح.
عامل آخر شجع الأفغان على مساعدة مقاتلي طالبان ضد الحكومة والاحتلال الأميركي يتمثل في عدم وفاء واشنطن بتعهداتها في موضوع منح المساعدات لتطبيق الخطط التنموية.
إضافة إلى ذلك يذهب 75 % من المساعدات التي تقدمها الدول المانحة لأفغانستان (الولايات المتحدة، اليابان، وألمانيا..) مباشرة إلى مشاريع وهيئات عاملة هناك تابعة لتلك الدول ولا تمر عبر الحكومة الأفغانية، ما يضعف قدرة هذه الحكومة على الاستقلال والنمو وبناء شرعيتها.
وعلى ما يبدو، وجدت باكستان، التي وقفت مع الولايات المتحدة منذ غزو أفغانستان في تشرين الأول 2001، أن من مصلحتها عدم قطع «شعرة معاوية» مع طالبان من خلال اتفاق السلام الذي عقدته مع مقاتلين مقربين من طالبان في منطقة القبائل، وفي الوقت نفسه عدم إحداث قطيعة مع كابول، التي زارها مشرّف الأسبوع الماضي وشدد خلال محادثاته مع المسؤولين هناك على سحق «طالبان»، في موقفين متناقضين من الحركة.
ما يحدث في أفغانستان اليوم، بعد خمس سنوات على تدمير برجي مانهاتن، يبدّد الى حد كبير مزاعم الرئيس الأميركي الذي وقف في ذلك اليوم ليقول «الليل هبط على عالم مختلف» في إشارته الى بدء الحرب على الإرهاب وما سماه لاحقاً «محور الشر»، فثمة تطورات عسكرية تصاعدت وتيرتها منذ سنتين وبلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، تتناغم مع حالة شعبية ناقمة على المشروع الأميركي ـ الغربي وطموحاته في المنطقة، من شأنها إعادة خلط الأوراق في غير مصلحة واشنطن.