معمّر عطوي
حين رجع آخر الملوك الأفغان محمد ظاهر شاه، من منفاه في إيطاليا عام 2002، بعد حوالى 30 سنة من الغياب عن أرض الوطن، مثّلت عودته بالنسبة إلى بعض مواطنيه حالاً من الحنين لفترة حكمه (1933- 1973)، التي لا تزال موضع خلاف بين من يتحسَّر عليها ومن يرى أن نهايتها كانت طبيعية بحكم ضعف شخصية الملك الذي عاش أولى سني حياته «مدلّلا» في شوارع باريس.
لقد تميزت حياة الملك الأفغاني السابق، الذي توفي أمس عن عمر يناهز الـ92 عاماً، بمحطات عديدة، ربما كانت أبرزها سنوات حكمه التي تجاوزت الأربعين، والتي لم يحكم منها فعلياً سوى عشر سنوات.
فمنذ اغتيال والده عام 1933، أصبح ظاهر شاه ملكاً. كان مولعاً بالثقافة ولا يكترث كثيراً للسياسة، الأمر الذي أفسح المجال أمام عمومته الذين تعاقبوا على منصب رئاسة الوزراء لإدارة دفة الحكم. ولم يحكم فعلياً إلّا عام 1963. غير أن هذه الفترة لم ينعم بها طويلاً؛ ففي عام 1973، انتهى حكمه حين انقلب عليه ابن عمه سردار محمد داود بمساعدة بعض الضباط الشيوعيين في الجيش الأفغاني، مستغلاً سفره في رحلة علاج الى إيطاليا ليعلن الجمهورية بدل الملكية.
وبقي الملك في منفاه الإيطالي حتى عام 2002، عندما أسقطت حكومة حركة «طالبان». لكنّ العودة هذه المرة لم تحمل له سوى لقب فخري منحته إياها السلطة الحاكمة في كابول هو «أب الأمة الأفغانية».
ورغم دعم رجال القبائل لظاهر شاه المتحّدر من عشيرة دوراني (أحد الفرعين الرئيسيين للباشتون مع عشيرة غلزاي)، فضّل الأميركيون ترشيح أحد عملائهم المخلصين حميد قرضاي لرئاسة الحكومة المؤقتة، مستبعدين الملك السابق الذي ظهر غير قادر على استئناف حياته السياسية بسبب تقدم سنه، فيما أبدت حركة «طالبان» أسفها «لاستخدام الأميركيين أب الأمة».
لكن المجتمع الدولي أوكل إليه مهمة افتتاح مجلس أعيان القبائل التقليدي (لويا جيرغا) بشكل طارئ لإقامة حكومة جديدة.
ويرى مؤيدو الملك، الذي رحل في القصر الرقم ثمانية في كابول، بعد معاناة مع المرض، أن فترة حكمه كانت أطول فترة سلام عرفتها البلاد في تاريخها، وقد تحققت خلالها إنجازات دبلوماسية، وتقدّم في حقوق الإنسان، وعلى الأخص، حقوق المرأة. لكن معارضيه رأوا أن سياسته امتازت بتوطيد العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وتجاهل العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية، ولا سيما الدول المجاورة مثل باكستان، وأنه كان يفضل دائماً توطيد العلاقات مع الهند، عدو باكستان اللدود، كما حظي الشيوعيون في عهده بفرصة كاملة لنشر أفكارهم وإنشاء حزب سياسي، بينما منع الإسلاميون من إنشاء الأحزاب.
وتقول عنه التيارات الإسلامية في أفغانستان إنه عمل على «نشر الطراز الغربي في حياة الناس بكل تحدّ وإصرار، وخرجت النساء حاسرات الرأس للمرة الأولى في عهد رئيس وزرائه محمد داود، والأكثر من ذلك أنه عمل على إهانة العلماء ورجال الدين».