طهران | بعد قراءة بيان الإعلان النووي في لوزان السويسرية، عاد الوفد النووي المفاوض إلى طهران وفي جعبته خريطة طريق الحلّ النهائي. الإعلان سمّي إيرانياً «بيان سويسرا»، وهي تسمية اعتمدها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في أول حديث تلفزيوني طويل، غداة كلمة الرئيس حسن روحاني تعليقاً على الإعلان.ساعة و45 دقيقة تحدث خلالها ظريف عن بنود الإعلان وفصّلها. الضرورة دفعت بإدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى إضافة 45 دقيقة على وقت الحلقة، بسبب الردود الداخلية والبرلمانية المنتقدة لبعض بنود الإعلان، خصوصاً بعد بيان وزارة الخارجية الأميركية، الذي أشار إلى عدد من التفاسير المغايرة لما شرحه ظريف في مطار «مهرآباد»، فور عودته إلى طهران.

بدأت بعض التصريحات تخرج عن نوّاب في مجلس الشورى الإيراني، الذي كان في عطلة رأس السنة الإيرانية «النوروز»، ومنها ما رحّب بالإعلان فيما اعترض البعض على عدد من بنوده. معظم الاعتراضات خرجت من معسكر المحافظين الذين يسيطرون على الغالبية الساحقة في البرلمان، وهي ناتجة من مخاوف عزّزتها القراءة الأميركية المناقضة لمحتويات إعلان الإطار المتفق عليه.
هناك شبه إجماع
على أن ما تحقق في لوزان
هو إنجاز لإيران

على هذا الصعيد، تمحورت التساؤلات حول المدّة الزمنية؛ ففي الوقت الذي صرّح فيه ظريف بأنها عشر سنوات، أفاد الإعلان الأميركي بأن هناك بنوداً تمتد إلى 15 عاماً، وبعضها إلى 25 عاماً، ليُطرح سؤال عن إمكانية استئناف الأنشطة النووية بشكل طبيعي بعد انقضاء المدة أم أنه سيكون هناك قيود على بعض الأنشطة النووية.
الانتقادات طاولت، أيضاً، القبول بالبروتوكول الإضافي الذي انسحبت منه طهران، بقرار من مجلس الشورى الإيراني. هذا البروتوكول وُقّع سابقاً بشكل طوعي، ولكن عندما أحالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف إيران النووي على مجلس الأمن الدولي، للمرة الأولى، وصدر أول قرار بالعقوبات، أصدر مجلس الشورى الإيراني قراراً بالانسحاب من البروتوكول الذي يسمح لمفتشي الوكالة بزيارات مفاجأة للمنشآت النووية والدخول إليها في أي وقت، إضافة إلى الدخول إلى منشآت قد تحمل طابعاً عسكرياً، في حال التشكيك في احتوائها أنشطة عسكرية غير اعتيادية.
اليوم يعود هذا الموضوع إلى الواجهة، في ظل وجود بند الموافقة على البروتوكول الإضافي، بإشارة «إعلان سويسرا» إلى أن الأمر منوط بمجلس الشورى. هنا، برز موضوع تفسير هذه النقطة؛ فهل سيكون البروتوكول خطوة طوعية محددة بفتره زمنية، أم أنه سيصبح دائماً مع مرور الزمن؟ وهذا ما سيتم مناقشته في البرلمان، قبل الاتفاق النهائي آخر حزيران المقبل.
أما منشأة فوردو التي أُنشئت، في الأساس، كمركز بديل محصّن ضد الهجمات العسكرية يتم اللجوء إليه، في حال اسُتهدفت منشأة ناتنز، فقد أوقف تخصيب اليورانيوم فيها مع الإبقاء على ألف جهاز طرد مركزي من دون تزويدها باليورانيوم، إضافة إلى تحويلها إلى منشأة احتياطية. هذا الأمر أثار اعتراضاً من قبل البعض، سرعان ما برره وزير الخارجية بإمكانية عودة الأجهزة إلى تخصيب اليورانيوم وتشغيلها، في حال اقتضى الأمر أو إذا لم يُنفذ الاتفاق.
يبقى ملف العقوبات الأكثر حساسية. فقد كان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي قد شدد، في آخر خطاب له، على أن رفع العقوبات يجب ألا يكون نتيجة لما ستقدمه إيران، بل من صلب الاتفاق. ووفق الرؤية الإيرانية، يجب أن يتم تنفيذ رفع العقوبات، فور توقيع الاتفاق، وعدم العودة إليها مع بدء تنفيذ بنود الاتفاق، كما أنه يجب ألا يتم رفع العقوبات بشكل تدريجي.
أيضاً، فإن رفع العقوبات «النووية» لن يفضي إلى رفع تلك التي فُرضت على إيران بسبب برنامجها الصاروخي، كما أن العقوبات الأميركية التي فرضت، بعد احتلال سفارتها إبان انتصار الثورة، لن ترفع، إضافة إلى الإبقاء على العقوبات الأخرى التي لم تفرض على خلفية نووية.
من هنا، يمكن القول إن هناك شبه إجماع على أن ما تحقق في لوزان هو إنجاز لإيران. فما قدمته الجمهورية الإسلامية ليست بحاجة إليه على مدى السنوات العشر المقبلة، كالوقود النووي لمفاعل بوشهر جنوب البلاد، وذلك بسبب ارتباطها باتفاقية مع روسيا للتزود بالوقود خلال السنوات الثماني المقبلة. كذلك، فإن مفاعل آراك للمياه الثقيلة سيتم تعديله وتطويره بتقنيات حديثة، وسيتم تسهيل بيع إيران لمخزونها من اليورانيوم، على شكل أقراص أو وقود نووي في السوق العالمية.
الخلاف الأساسي يكمن في المخاوف الإيرانية التي تمتد إلى مرحلة ما بعد «إعلان سويسرا»، وهي مرحلة الأشهر المتبقية لصياغة الاتفاق النهائي. المنتقدون لـ«بيان سويسرا» يصفونه بغير الواضح، ويستندون في ذلك إلى أن الطرف الغربي أعرب عن نياته الحقيقية قبل أن يجف حبر البيان. هم رأوا أنه لا توجد ضمانات حقيقية تلزم واشنطن بتنفيذ تعهداتها، ولا يمكن الركون إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأنهما لن يعارضا الإرادة الأميركية. وهنا يكمن الانتقاد لبنود الاتفاق، من باب الدفع إلى جعله أكثر وضوحاً، إضافة إلى أن يتم التركيز في الاتفاق النهائي على الكلمات والأحرف، بما لا يترك مجالاً للشك والتأويل.
من الآن ظهر التباين في القراءة الأميركية والإيرانية لـ«إعلان سويسرا»، ويبقى الصوت الحاسم في تقويم كل ذلك لخامنئي الذي سيحسم الموقف إيرانياً، بعد أول تعليق له على نتائج المفاوضات.