تعرّضت تركيا هذا الأسبوع لأحداث أمنية واقتصادية عدة، أثارت تساؤلات بشأن إمساك الحكومة بالأمن وخصوصاً في مدينة اسطنبول التي يقطنها أكثر من 15 مليون نسمة، في وقتٍ اهتزت فيه ثقة المستثمرين بالخدمات التي أثرت على الحركة الاقتصادية بصورةٍ مباشرة بعد انقطاع التيار الكهربائي الذي لفّ الجمهورية التركية قبل أيام، وتسبّب بخسائر تجاوزت 700 مليون دولار.وفي وقتٍ لم يستند فيه إعلان وزير الطاقة عن انهيار شبكة الطاقة بعد ساعات من انقطاعها إلى أسباب أكيدة، ذكر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الأسباب المحتملة، بما في ذلك فرضية «الهجوم الإرهابي»، قبل أن يقع هجوم بعد أقل من ساعة على مبنى حكومي في اسطنبول، حيث اقتحم مسلحون ملثمون، تابعون لجبهة التحرر الشعبي الثوري اليسارية المتطرفة والمحظورة في البلاد، مكتب المدعي العام سليم كيراز، في «محكمة اسطنبول» الرئيسية، قبل أن يقتل كيراز مع المهاجمين إثر دخول القوات الخاصة.

كيراز كان قد تولى منذ أشهر عدة التحقيق في قضية الطفل إيفان بيركن، الذي قتل عام 2013 خلال احتجاجات في حديقة غيزي، وهو يعتبر الوحيد الذي أقدم على خطوة ملموسة حتى اليوم، بما في ذلك استجواب رجال الشرطة في إطار التحقيق للكشف عن تفاصيل هذه الحادثة. وبعدما اقتحمت الشرطة المكتب وسماع إطلاق نار، أكد داود أوغلو بعدها للصحافة أن الشرطة قتلت المسلّحين قبل أن يجري نقل المدعي العام إلى المستشفى بعد إصابته بطلقات نارية في صدره ورأسه، لكنه ما لبث أن فارق الحياة عند وصوله إلى المستشفى.
تأتي هذه الحادثة في الوقت الذي قام فيه حزب «العدالة والتنمية» بالتصويت على قانون «الحزمة الأمنية» في البرلمان وأعطى الشرطة صلاحيات لمنع أي تحرّك في الشارع، مع العلم بأن هذا القانون لم يحظ بموافقة أحزاب المعارضة. ومباشرةً، بعد تشييع جنازة المدعي العام في اسطنبول، قال داود أوغلو: «لا أحد سيكون قادراً من الآن على اتخاذ الشوارع من دون إذن»، علماً بأنه لم يتم التأكد من هوية مطلق النار على المدّعي العام، أهي الشرطة عندما اقتحمت المكتب أم المسلحون؟
في ظلّ هذه الأحداث المتتالية، تساءلت المعارضة بلسان زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، عن أمن المبنى الحكومي وكيف أدخل المسلحون الأسلحة والأعلام واللافتات إلى مكتب المدعي العام الذي يقع في الطبقة السادسة، في ظلّ وجود القوى الأمنية. كما تساءل كيف تُقطع الكهرباء عن تركيا من دون أي تفسير منطقي، ولا سيما أن الحادث وقع خلال انقطاع الكهرباء. في السياق، اعتبرت المعارضة أن عدم تبرير أسباب انقطاع شبكة طاقة ضخمة مثل هذه، وترك البلاد مفتوحة لتخمينات هجمات قراصنة الكمبيوتر، أو أعمال إرهابية يظهر ضعف الأمن والحكومة.
وبينما كان الإعلام مشغولاً في تحليل هذه الأحداث، أطلقت محكمة التمييز في اسطنبول مفاجأة عبر قرار تبرئة 236 عسكرياً، أعيدت محاكمتهم بتهمة التآمر في ما عرف بقضية «أرغينيكون» (المطرقة) عام 2003 لإسقاط حكومة «العدالة والتنمية». هذا القرار يثبت مرة أخرى أن القضاء في تركيا لم يعد مستقلاً، بل أصبح مرتبطاً بالسياسة بعد الانتخابات الأخيرة لمجلس القضاء الأعلى، في ظلّ محاولة «العدالة والتنمية» كسب الجيش في الانتخابات البرلمانية المقبلة. فالمدّعي العام نفسه الذي كان قد تسلّم القضية أقرّ بأن «الأدلة واهية، ولا علاقة لها بمخطط انقلابي حقيقي»، مطالباً بتبرئتهم. ويأتي هذا الحكم بعدما اعتذر أردوغان للجنرالات الذين يحاكَمون بتهمة التدبير لانقلاب، ممهداً بذلك الطريق لدخول بعض هؤلاء الجنرالات إلى البرلمان المقبل، ولا سيما بعد تأكيده أن حكمه «سيُعيد الهيبة إلى المؤسسة العسكرية»، محملاً جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن مسؤولية تلفيق الاتهامات للجيش من دون علمه... على أن يصبّ ذلك كله في المصلحة الانتخابية عبر استقطاب مزيد من الناخبين القوميين المتشددين الذين يدعوهم إلى الاتحاد مع حزبه.