إسطنبول | في احتفالٍ يليق بـ«اللحظة التاريخية» التي يعيشها أكراد تركيا هذه الأيام، شهدت مدينة ديار بكر احتشاد الآلاف لإحياء عيد النوروز، والاستماع إلى خطاب زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، الذي حدّد فيه موعد المؤتمر الوطني العام الاستثنائي الشهر المقبل، لإعلان وقف العمل المسلح ضد الجمهورية التركية «تلبيةً لنداء التاريخ»، ولكن بعد أن تلبّي أنقرة الشروط والمطالب العشرة التي تم الاتفاق عليها في ٢٨ الشهر الماضي.
وبعد ساعات من خطاب أوجلان الذي تلاه النائب الكردي، سري سريا أوندر، ودعا فيه أوجلان تركيا إلى تبنّي دستور ديموقراطي يأخذ في الاعتبار الحرية والمساواة بين المواطنين»، علّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه «لا يعترف بالشروط والمطالب المذكورة»، ما استدعى رداً من نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينش، قال فيه إن الحكومة هي الجهة الرسمية المكلفة بمعالجة المشكلة الكردية. كلام أرينش أثار غضب أردوغان الذي أعلن عدم وقوفه موقف المتفرج حيال ما يحدث في هذا الموضوع.
حدّد أوجلان موعد مؤتمر «إنهاء الكفاح المسلح» الشهر المقبل

التصريحات والتصريحات المضادة أثارت جملة من التساؤلات المتعلقة بمستقبل الحوار الكردي ـ التركي، إلى جانب إبرازها الانقسام الحاصل في صفوف حزب «العدالة والتنمية»، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في ٧ حزيران المقبل، وإظهار استطلاعات الرأي ردّ الفعل السلبي للتيار القومي داخل الحزب الحاكم على سياسات الحكومة و«التنازلات» التي تقدمها للأكراد.
وفي وقتٍ يبدو فيه أن مواصلة الحكومة محادثاتها، بشأن المصالحة الكردية ـ التركية، تهدف بدورها إلى الحفاظ على شعبية «العدالة والتنمية» في جنوبي شرقي البلاد، تضع الحسابات القومية لأردوغان وتكتيكات الحكومة المتعلقة بالأكراد حزبه أمام امتحان صعب جداً، خصوصاً بعدما أثبتت استطلاعات الرأي تزايداً في شعبية حزب «الحركة القومية» المعارض وحزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي، على حساب «العدالة والتنمية» الذي بدأت شعبيته تتراجع.
هذه المعطيات تأتي في وقتٍ تحدثت فيه معلومات عن تقاسم محتمل للأدوار بين أردوغان والحكومة لدعم موقف الحزب الحاكم وإيصاله الى السلطة في الانتخابات المقبلة. فقد بات واضحاً أن «العدالة والتنمية» لن يحصل على الأغلبية الكافية (٢٧٦ مقعداً من أصل ٥٥٠) لتشكيل الحكومة بمفرده، وذلك في حال حصول حزب «الشعوب الديموقراطي» على ١٠٪ من مجموع أصوات الناخبين على مستوى تركيا، وهو ما سيكون كافياً بالنسبة إلى الحزب للفوز بما لا يقل عن ٦٠ مقعداً. إذا تحقق هذا الاحتمال، فسيجد «العدالة والتنمية» نفسه مضطراً إلى التحالف مع الحزب الكردي أو «الحركة القومية» لتشكيل حكومة ائتلافية، وفي كلا الحالتين لن يكون القرار سهلاً بالنسبة إلى الحزب الحاكم. فهو في الحالة الأولى سيلقى ردّ فعل عنيفاً من الجيش ومعظم القوى السياسية التي لن تقبل ببساطة مشاركة الحزب الكردي في الحكومة. فيما يبدو واضحاً أن قيادات «العدالة والتنمية» لن تتخذ مثل هذا القرار إلا في إطار حسابات إقليمية ودولية تساعدها لكسب ودّ واشنطن ودعمها، تحديداً في ضوء الرؤى الإقليمية المرتبطة بسوريا والعراق وإيران، أي إن أنقرة لن تقدم على خطوة التحالف مع الحزب الكردي إلا إذا أصبح واضحاً أن الغرب سيدعم «الكيان الكردي» المستقل في سوريا خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد تطورات مثيرة على صعيد تحديد مستقبل المنطقة.
هذا الواقع يعني أن قيادات «العدالة والتنمية» سترجّح التحالف مع «الحركة القومية» على التحالف مع الكردي، في حال عجزها عن الفوز بغالبية المقاعد، ما يتطلب مصالحة مع قيادات «الحركة القومية» التي سترضى بمثل هذا التحالف شرط استبعاد أردوغان من اللعبة السياسية ليحل محله الرئيس السابق عبدالله غول في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. وفي حال عاد غول إلى العمل السياسي، فمن المؤكد أن أحلام أردوغان بتغيير نظام الحكم إلى رئاسي تصبح مستحيلة.