المشهد النووي ما زال بعيداً عن الاكتمال برغم الاقتراب من المهلة النهائية المحدّدة للمفاوضات في أواخر الشهر الحالي. الأيام الستة التي خاض خلالها الجانبان الأميركي والإيراني، محادثات ماراثونية في مدينة لوزان السويسرية، لم تكن كافية للتوصّل إلى مقاربة موحّدة، ما اضطر الفريقين إلى استنزاف الوقت الباقي واستئناف المفاوضات الأسبوع المقبل. وبرغم التصريحات التي لا تنفك توحي بالتقدم، على نحو عام، تعود إلى جذور التناقض في اللحظة التي يبدأ فيها أحد الطرفين بإلقاء اللوم على الآخر، وبدعوته لتنازلات من أجل إتمام الاتفاق.
مساء أول من أمس، دخل الرئيس الأميركي باراك أوباما، شخصياً، على خطّ التباينات، داعياً الإيرانيين إلى «انتهاز الفرصة التاريخية» التي توفرها المفاوضات النووية، ما استدعى رداً من وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قال فيه إن الشعب الإيراني «قد اتخذ قراره وهو التعاطي بعزة»، أعقبه بدعوة للولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء في مجموعة «5+1» إلى التخلي عن الضغوط التي يمارسونها في المفاوضات النووية والموافقة على اتفاق.
ظريف: آن الآوان لأميركا ولحلفائها للاختيار: إما الضغط أو الاتفاق

«الإيرانيون اختاروا أصلاً: العمل بكرامة. آن الآوان للولايات المتحدة وحلفائها للاختيار: إما الضغط أو الاتفاق»، كتب ظريف على حسابه على موقع «تويتر»، وذلك خلال حضوره في لوزان حيث التقى أمس، في جولة سادسة نظيره الأميركي جون كيري، بالتزامن مع لقاء عقده رئيس منظمة الطاقة الإيرانية علي أكبر صالحي، مع وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيز، لبحث القضايا الفنية.
حديث وزير الخارجية الإيراني، كانت قد سبقته رسالة وجهها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى قادة وشعب إيران لمناسبة «عيد النوروز»، حثّهم فيها على الإمساك «بالفرصة التاريخية».
واحتوت الرسالة المصوّرة التي ترجمت إلى اللغة الفارسية على التماس مباشر للشعب الإيراني، ومعظمه من الأجيال الشابة، التي لم تعرف سوى العداء للولايات المتحدة. تحدث أوباما بصفة الجمع بين الشعب الإيراني والأميركي، وقال «لدينا الآن أفضل فرصة منذ عقود للسعي نحو مستقبل مختلف بين بلدينا». ولم يغفل التلميح إلى الدور الذي يسعى إلى لعبه المعارضون للاتفاق، والذي تمثّل مؤخراً في دخول جمهوريي الكونغرس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الخط، بهدف عرقلة الجهود المبذولة. على هذا الصعيد، أشار أوباما إلى أن «هناك أناساً في بلدينا وغيرهما يعارضون الحل الدبلوماسي»، ولكنه لفت الانتباه إلى أن «الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، فقد حققت المفاوضات تقدماً ولكن ما زالت ثمة ثغر».
ولعب الرئيس الأميركي على الوتر الاقتصادي، وذكر أن «التوصل إلى اتفاق الآن سيساعد على فتح أبواب مستقبل زاهر لكم أيها الإيرانيون، باعتباركم ورثة حضارة عظيمة تستطيع أن تعطي الكثير للعالم»، كما استهدف الجانب العاطفي، فبحسبه «الآن الربيع» بعدما كان «الخوف والشك قد فرّقا بين بلدينا لعقود طويلة».
في أثناء ذلك، عاد الوفد الإيراني إلى طهران، مساء أمس. وبعد تضارب الأنباء عن احتمال اجتماعه مع وزراء خارجية أوروبيين، أمس أو اليوم في لوزان، أعلنت واشنطن وطهران تأجيل المفاوضات بهدف «التشاور».
وصرّح مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بأن المفاوضات بين طهران والقوى الكبرى ستستأنف الأربعاء. وفي تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي، قال إنّ «من الضروري الآن إجراء مشاورات وتنسيق»، كما أوضح أنه «في الأيام الأخيرة جرت مفاوضات جدية ومكثفة بين الفرق الإيرانية ومجموعة 5+1»، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركي سيلتقي مع نظرائه الأوروبيين اليوم في برلين.
من جهتها، أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف، أن كيري، الذي ما زال في مدينة لوزان السويسرية، سيلتقي نظراءه الفرنسي والألماني والبريطاني، قبل أن يعود في عطلة نهاية الأسبوع إلى واشنطن.
وقالت: «أجرينا سلسلة من المحادثات المكثفة مع إيران، هذا الأسبوع، ورأينا أنه خلال المفاوضات من المهم أن نتشاور على مستوى عال مع شركائنا».
وأيضاً بهدف «التشاور» حول المفاوضات النووية، اجتمع زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، صباح أمس، مع مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، على هامش قمة الاتحاد المنعقدة في بروكسل.
واستغرق الاجتماع 40 دقيقة «جرى التركيز خلالها على تبادل المعلومات عن مسار المفاوضات مع إيران»، فيما وصف مصدر الاجتماع بأنه «جلسة غير رسمية مفيدة للتنسيق والتشاور».
وفي مؤتمر صحافي بعد قمة الاتحاد الأوروبي، صرّحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأن القادة الأوروبيين يريدون ختاماً ناجحاً للمحادثات النووية، لكنها أضافت أنه يتعيّن أن يكون الاتفاق ذا صدقية.
في موازاة ذلك، أفاد تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بأن إيران مستمرة في الوفاء بالتزاماتها، بموجب الاتفاق النووي المبدئي الذي أبرمته مع القوى العالمية الست في تشرين الثاني 2013.
وجاء في التقرير أن إيران لا تخصب اليورانيوم إلى درجة تركيز أعلى من خمسة في المئة، كما أنها لم تحقق «مزيداً من التقدم» في أنشطتها الجارية في منشأتين للتخصيب ومفاعل يعمل بالماء الثقيل تحت الإنشاء.
(الأخبار، وكالات)