بدأت أسس العلاقة المستقبلية بين اليونان، في ظل حكومة «سيريزا»، والاتحاد الأوروبي، تتضح يوماً بعد يوم، برغم أنّ المفاوضات الجدية لم تنطلق بعد، في وقت تحدد فيه تصريحات الجانبين الأطر الأولى للمشهد التفاوضي المقبل. الطرفان يعلنان أن لا عودة إلى الوراء، لكن لكل إعلان مدلولات معاكسة.وفي زيارة هي الأولى لمسؤول أوروبي لأثينا بعد فوز حزب «سيريزا» اليساري في الانتخابات التشريعية يوم الأحد الماضي، أعلن رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، في ختام لقاء مع رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، أمس، أن اليونان مستعدة «للتباحث» مع شركائها الأوروبيين وتسعى إلى «حلول على قاعدة مشتركة» معهم.

وأضاف شولتز: «أقولها بمنتهى الصراحة. في النقاش العام في أوروبا يوجد خوف وانطباع بأن تسيبراس يتصرف بشكل منفرد... رأيت أن حكومة ألكسيس تسيبراس لا تفكر في العمل بمفردها وتريد تقديم اقتراحات ومناقشة هذه الاقتراحات مع الشركاء. أعتقد أنها رسالة جيدة جداً».
ويأتي حديث شولتز بعد ساعات على تأكيد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن «إلغاء ديون اليونان غير وارد»، لكن «يمكن إبرام تسويات... (لا) تعدل الترتيبات القائمة بشكل جوهري». وبعد زيارة شولتز، ينصب الاهتمام على الزيارة التي سيقوم بها إلى أثينا اليوم رئيس مجموعة اليورو، يروين ديسلبلوم، (وزير مالية منطقة اليورو)، والتي ستشمل بحسب تسيبراس إجراء نقاشات «محورية ومنتجة».
وفي سياق المبارزة الكلامية بين أثينا والاتحاد الأوروبي، التي تسبق المفاوضات المزمعة، لا يزال الموقف الألماني يشكل محور الاهتمامات. وأمس، قال زيغمار غابريل، وهو وزير الاقتصاد الألماني أمام البرلمان، إن الحكومة اليونانية الجديدة يجب أن «تحترم التزاماتها» وألا تحمل بقية الاتحاد الأوروبي أي أعباء. وأضاف إن «كل الديموقراطيين يجب أن يحترموا القرار الديموقراطي للناخبين وحق الحكومة المنتخبة حديثاً في تحديد مسارها، لكن يجب ألا يتوقع بقية مواطني الاتحاد الأوروبي أن يحملهم تغير السياسات في اليونان أي أعباء».
وتابع قائلاً إن اليونان يجب أن تظل داخل منطقة اليورو، لكن يتعين على ألكسيس تسيبراس أن يحترم شروط خطة إنقاذ نفذتها بلاده، معتبراً في الوقت ذاته أن اليونان لا يحق لها أن تلقي اللوم على دائنيها الثلاثة الدوليين (الترويكا) «في سوء توزيع الثروة في البلاد».
عموماً، لا تزال طبيعة العلاقة الناشئة بين أثينا ومجمل دول الاتحاد الأوروبي في طور التشكل، مستندة في ذلك، حتى الآن، الى التصريحات المتبادلة. أما على الجانب الآخر من الأطلسي، فقد هنأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في اتصال هاتفي مساء أول من أمس، رئيس الوزراء اليوناني الجديد على انتخابه، وقال إن واشنطن تتطلع إلى العمل مع أثينا في جهودها لتعزيز اقتصادها. وقال البيت الأبيض في بيان: «أوضح الرئيس أن الولايات المتحدة كصديق وحليف قديم تتطلع إلى العمل عن كثب مع الحكومة اليونانية الجديدة لمساعدة اليونان في العودة إلى طريق الرخاء الطويل الأمد». وأضاف البيان «استعرض الزعيمان أيضاً التعاون الوثيق بين اليونان والولايات المتحدة بشأن قضايا الأمن الأوروبي ومكافحة الإرهاب».
كل ذلك يأتي في سياق كثفت فيه الحكومة اليونانية التصريحات التي تعكس برنامج حزب «سيريزا» والمعاكسة لتوصيات «ترويكا» الجهات «المانحة» (المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، ما أدى، سريعاً، في أحد الجوانب إلى هبوط كبير في قيمة المصارف في البورصة. فقد سجل المؤشر العام لبورصة أثينا تراجعاً بنسبة 9,24%، وخسرت المصارف ربع قيمتها (-26,67%) فيما تجاوزت السندات اليونانية لعشر سنوات 10%.
وأدلى تسيبراس ووزير ماليته، يانيس فاروفاكيس، بتصريحات غنية في محتواها، الأول في أول اجتماع لحكومته الجديدة، والثاني أثناء مراسم التسلم والتسليم مع سلفه المحافظ غيكاس هاردوفيليس.
وصرح تسيبراس في افتتاح أول جلسة حكومية، أول من أمس، بأنه يرأس حكومة «خلاص وطني» مستعدة «لتقديم دمها» من أجل استعادة «كرامة اليونانيين». ولطالما حمّل حزب «سيريزا» مسؤولية فقدان «الكرامة» هذا الى القيود المفروضة على اليونان منذ سريان برامج المساعدة في 2010.
وتحدث تسيبراس عن «إعادة تفاوض جديد مع شركائنا للتوصل الى حل عادل وقابل للحياة يأتي بفائدة متبادلة». كما أكد إرادته تجنب «قطيعة كارثية متبادلة» مع شركاء اليونان وإنهاء «سياسة إرضاخ» البلاد.
أما فاروفاكيس، فكرر التأكيد على أن بلاده «ستطوي صفحة سياسة التقشف»، لكنها «لا تريد مبارزات» بين اليونان وأوروبا، وتسعى على العكس الى «علاقة جديدة تبنى على الثقة والصدق».
وطوال يوم أول من أمس، ومع توالي خطابات تسلّم السلطة، كثّف الوزراء اليونانيون الإعلانات التي لم تسهم في زيادة ثقة الاتحاد الأوروبي. فالتصريح الأول تناول وقف الخصخصة المرتقبة لميناءي بيريوس وسالونيكا وشركة الكهرباء الرسمية. ولاحقاً، طرحت زيادة الحد الأدنى للأجور أو إعادة تشغيل آلاف الموظفين الرسميين أو زيادة رواتب التقاعد للأكثر فقراً.
كذلك أعلنت الحكومة عن إجراء رمزي هو إعادة توظيف عاملات النظافة في إدارة المالية في البلاد، بعد وضعهن في التصرف قبل عام ونصف. وقد أقمن مذّاك مخيم اعتصام أمام الوزارة في أثينا، وأصبحن رمزاً لمعارضي التقشف.
كل هذا يثير استياء خبراء «الترويكا» مع اقتراب تسديد الاتحاد الأوروبي، في أواخر شباط المقبل، الشريحة الأخيرة من خطة المساعدة والبالغة سبعة مليارات يورو، شرط إثبات نتيجة للإصلاحات الجارية ومواصلة اليونان تطبيق نظام حازم في الميزانية. لكن الأربعاء لم يعر تسيبراس ولا وزير ماليته أي اهتمام باستحقاق شباط.
وإلى جانب ذلك، هددت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندارد إند بورز» منذ مساء الأربعاء بتخفيض تصنيف اليونان «ب» من «مستقر» إلى «سلبي». وأوضحت الوكالة أن «بعض السياسات الاقتصادية والمالية التي تروج لها الحكومة الجديدة في اليونان... لا تتلاءم مع الإطار السياسي الذي تم التفاوض عليه بين الحكومة السابقة والدائنين الرسميين» للبلاد.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)