لم يكتمل المشهد الفرنسي بعد. مفاعيل الأحداث الأخيرة التي شهدتها باريس لا تزال تُظهّر الصدمة التي تركتها على الفرنسيين، إن من خلال الإجراءات التي بدأت الحكومة بتطبيقها أو من خلال الطلبات والاستيحاءات التي يخرج بها الفرنسيون عموماً بين الفينة والأخرى، والتي ستساهم، على المدى القريب أو البعيد، في إعادة رسم المشهد الفرنسي الجديد بما يتناسب مع ما بعد السابع من كانون الثاني 2015.آخر ما خرج به الفرنسيون كان المطالبة بتطبيق الخدمة العسكرية الإجبارية على الشباب. فاستحداث 2680 وظيفة، وتخصيص 425 مليون يورو (490 مليون دولار) لمكافحة التطرف، ونشر 10 آلاف جندي على الأراضي الفرنسية، إضافة إلى قرارات أخرى ارتأت الحكومة تطبيقها مباشرة بعد الهجمات، لم تبد كافية بالنسبة إلى كثيرين.

ولكن الدعوة الأخيرة إلى تطبيق الخدمة العسكرية، كان من نتائجها الآنية نقاش موسع تفرّع منه اقتراح آخر، هو تفعيل «الخدمة المدنية». وحتى لو اتفق المسؤولون الفرنسيون، انطلاقاً من التساؤلات المتعلقة بالوحدة الوطنية، على أن من الإجراءات التي يجب تطبيقها هي الخدمة العسكرية أو المدنية، إلا أن اليمين واليسار انقسما حول هذين الاثنين. ففي حين كان اليمين من أبرز المطالبين بتطبيق الخدمة العسكرية الإجبارية، التي تمّ تعليق العمل بها في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، في عام 1997، إلا أن الحزب الاشتراكي استعاض عن هذه الفكرة بالمطالبة بتقوية «الخدمة المدنية»، المستوحاة من النموذج الإيطالي. وقد تمّ إطلاق العمل في هذه الخدمة، في عام 2010، للشباب ما بين 16 عاماً و25 عاماً. وهي تتطلّب التطوّع على فترة تتراوح بين 6 أشهر أو عام، لتعبئة الفراغ الذي أحدثه تعليق العمل بالخدمة العسكرية في عام 1997.
ورغم أن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، هو من أبرز الداعمين لهذا الاقتراح، لكن تفعيله دونه عقبات كثيرة، وخصوصاً أن عدد المنضوين في إطاره سنوياً لا يصل إلى أكثر من 35 ألفاً، وهو الرقم الذي يعتبره الرئيس الفرنسي منخفضاً، متمنياً أن يصل إلى 100 ألف متطوّع سنوياً.
«العائق الحقيقي الذي يقف في وجه تطوير هذا الإجراء هو نقص الوسائل»، بحسب ما تقول لـ«لو فيغارو» مديرة «وكالة الخدمة المدنية»، هيلين باوليتي. وهي تشرح أن السبب وراء ذلك هو أن الوكالة غير قادة على دفع مبلغ 573 يورو شهرياً (مبلغ رمزي) الذي يستحقه كل متطوّع.
ولكن الرئيس الفرنسي كان قد صرّح في مناسبات عدة عن إمكان تحويل الخدمة المدنية إلى «إجبارية وجامعة ومجانية». وقال في مقابلة مع قناة «تي اف 1»، إن «الخدمة المدنية كما هي الآن مكلفة»، مضيفاً إن الخدمة الجامعة كما يراها هو، «لا تكلّف شيئاً»، محدداً في الوقت ذاته إمكان تطبيق هذا الإجراء من خلال إخضاعه لاستفتاء مسبق.
أما من جهة اليمين المطالب بالخدمة العسكرية الإجبارية، فإن رئيسة «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن، كانت قد دعت «إلى تطبيق خدمة وطنية عسكرية جديدة على شبابنا، تمتد على مدى ستة أشهر»، معتبرة أن «هذه الخدمة الوطنية العسكرية مفقودة بشكل قاسٍ في الأمة ولا شيء يمكن أن يحل محلها».
ولكن وزير الدفاع، جان إيف لودريان، رأى في حديث مع إذاعة «ار تي ال»، أن إعادة طرح الخدمة العسكرية «لا يتناسب مع حاجات جيشنا»، ليوضح تعقيباً على ذلك «أننا اخترنا إضفاء الطابع المهني على جيشنا، وعملياتنا تتطلب مؤهّلات لا يمكن تحقيقها في ستة أشهر»، ليستدرك بعدها أن تفعيل الخدمة المدنية «فكرة جيدة».
ويبقى في اليمين من يدعو إلى تطبيق نوع جديد من الخدمة الوطنية، مثل النائب في «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، إكسافييه بيرتران، الذي اقترح في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» نوعاً جديداً من الخدمة الوطنية، تتضّمن «فترة شهر أو ثلاثة أشهر من الخدمة الإجبارية للشباب والبنات من أجل إعادة إشعارهم بالانتماء والسماح بإلغاء الانتماءات السياسية والدينية والاجتماعية للشباب أو لأهاليهم». وأشار النائب الفرنسي إلى أن «العسكريين العاملين في الجيش حالياً لديهم أشياء أخرى يقومون بها»، لذا سيقوم «عسكريون قدماء ومن الاحتياط» بتلقين هؤلاء الشباب هذا الانتماء.
(الأخبار)