لم تتوقف وتيرة تصاعد الخوف في فرنسا، أمس، إثر مقتل المشتبه فيهما في الاعتداء الدامي على مجلة «شارلي ايبدو» والمشتبه فيه الآخر في الهجوم الذي استهدف الشرطة الفرنسية في جنوب باريس بعد ساعات على «المذبحة».
وكان للقلق الناشئ جراء سلسلة الهجمات في فرنسا صدى واضح في عموم القارة الأوروبية. وأعلن، أمس، رئيس «المجلس الأوروبي»، دونالد توسك، أن القمة الأوروبية المرتقبة في 12 شباط في بروكسل ستخصص لمكافحة الإرهاب، لأن «الإرهاب ضرب أوروبا». وتابع قائلاً إن «الاتحاد الأوروبي لا يمكنه القيام بكل شيء، لكن يمكنه أن يُسهم في تعزيز أمننا»، مذكّراً خصوصاً بإنشاء «مذكرة توقيف أوروبية» بعد اعتداءات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
واستدرك رئيس المجلس الأوروبي قائلاً: «لكن علينا القيام بالمزيد»، داعياً البرلمان الأوروبي إلى «تسريع عمله حول اقتراح نظام سجل أسماء الركاب الذي يمكن أن يساعد في رصد تحركات أشخاص خطرين». وهذا المشروع لوضع سجل أوروبي بمعلومات عن ركاب طائرات، مجمد منذ 2011 من قبل البرلمان الأوروبي الذي سيعقد الأسبوع المقبل جلسة عامة في ستراسبورغ.
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، قد اعتبرت أول من أمس، أنّ «من الضروري» اعتماد هذا الإجراء، فيما أعرب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر عن عزمه على أن يقترح على الدول الأعضاء برنامجاً جديداً لمكافحة الإرهاب «في الأسابيع المقبلة».
فالس: من الضروري اتخاذ إجراءات جديدة للرد على التهديد


وأدرجت موغيريني تعزيز السياسة الأوروبية، وخصوصاً في مواجهة المشاكل التي يطرحها الشبان الأوروبيون الذين جندوا للقتال في سوريا والعراق، على جدول أعمال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يعقد في 19 كانون الثاني في بروكسل. وهذا الموضوع سيكون أيضاً على جدول أعمال اجتماع وزراء الداخلية والعدل لدى الاتحاد الأوروبي في 29 و30 كانون الثاني.
بدوره، لفت رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، إلى أنه «سيكون من الضروري ولا شك اتخاذ إجراءات جديدة» للرد على «التهديد» الإرهابي. وستخضع ترسانة الإجراءات المطروحة على البحث أيضاً يوم غد الأحد في العاصمة الفرنسية خلال اجتماع لوزراء الداخلية الأوروبيين ووزير العدل الأميركي.
السياسات الأوروبية لمواجهة «الأخطار الداهمة»، وهي من التوصيفات التي قد تصل لاحقاً إلى حد الجهر بتوصيف «أعداء الداخل»، عبّر عنها بوضوح رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطانية «ام.آي 5»، أندرو باركر، وهو من أبرز الشخصيات في المجتمع المخابراتي الغربي، مصوباً بطريقة مباشرة على مسألة المخاوف من «الجهاديين» المنتشرين بين سوريا والعراق.
قال باركر إن متشددي «القاعدة» في سوريا يخططون لشنّ هجمات توقع خسائر بشرية كبيرة في الغرب، من المحتمل أن تستهدف شبكات النقل أو «أهدافاً مهمة»، مشيراً إلى أن احتمالات وقوع هجوم في المملكة المتحدة مرجحة للغاية. وأضاف، في خطاب عام نادر ألقاه في مقر الجهاز بلندن مساء أول من أمس: «تخطط مجموعة من الإرهابيين المتمرسين التابعين للقاعدة في سوريا لهجمات ضد الغرب توقع خسائر هائلة».
وخلال كلمته التي كانت مقررة قبل هجمات باريس، رأى باركر أن «متشددي القاعدة المحنكين» في سوريا يستهدفون «إحداث خسائر بشرية على نطاق واسع، غالباً من طريق مهاجمة شبكات النقل أو أهداف مهمة» في الغرب. وأوضح أن نحو 600 بريطاني متشدد سافروا إلى سوريا وانضم كثيرون منهم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وذكر أن جهازه تمكن من إحباط ثلاث «خطط إرهابية» محتملة ضد المملكة المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وحول الهجمات المحتملة، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» بعيد عن امتلاك احتكار التهديد، كما قال رئيس جهاز «ام. آي 5» أيضاً، وهو يشير بنحو أكثر دقة إلى «نواة صغيرة من إرهابيين مرتبطين بتنظيم القاعدة» تخطط لتنفيذ أعمال واسعة النطاق. وهكذا يستعيد فرضية لوزارة الدفاع الأميركية تتعلق ببروز مجموعة جديدة خطيرة تدعى «خراسان» استهدفتها في أيلول الماضي غارات جوية أميركية. ويشكك عدد من خبراء شرق أوسطيين في وجودها، مؤكدين أن أعضاءها يندمجون بـ«جبهة النصرة».
وفي ظل تلك المعطيات، ووسط تصاعد عدد الهجمات في فرنسا، تحول الاعتداء على «شارلي ايبدو» إلى ما يشبه حدثاً افتتح مرحلة جديدة من المواجهات بين القوى الغربية (والعربية المتحالفة معها) ضد أطراف «الجهاد العالمي»، بعد مراحل طويلة من العلاقات المريبة معها، من أفغانستان وصولاً إلى سوريا. وهي سلسلة من الأحداث المعقدة التي أوصلت خلال السنوات الأخيرة إلى المشهد الحالي، برغم أن بالإمكان طرح سؤال بديهي عمّن قرر في لحظات تاريخية ومفصلية فتح «صندوق باندورا»، وإن لم يصح التشبيه.
ولم يعد أي تطور دولي على هذا الصعيد ينفصل عن تطورات الشرق الأوسط، في وقت استثمرت فيه الدولة العبرية في هذا المشهد، حين دعا رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، إلى «حملة واسعة النطاق ضد قوى الإسلام المتطرف في مختلف أنحاء العالم». وقال: «إنهم (الإرهابيين) يحملون تسميات مختلفة» مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» أو حتى «حماس وحزب الله»، لكن «يحركهم الحقد نفسه والتعصب نفسه المتعطش للدماء».
مشهد معقد ينبئ بما بعده، فيما الأنظار تتجه نحو آليات تعامل المجتمع السياسي الفرنسي مع الأحداث، بطرق قد تستطيع الحد من التداعيات الكارثية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)