لم يكن متوقعاً أن يضيع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فرصة العملية التي استهدفت الجريدة الفرنسية «شارلي ايبدو»، من أجل الترويج لنظرته إلى «الإرهاب المتطرّف» القائمة على توحيد الموقف من فصائل المقاومة والتنظيمات التكفيريّة. وفي بيان، صادر عن مكتبه، رأى نتنياهو أن «الإرهاب الذي يمارسه الإسلام المتطرف لا يعرف الحدود، لذا ينبغي أن يكون التصدي له عابراً للحدود».
وبطبيعة الحال لم يكن نتنياهو ليصدر بياناً يتّصل بـ«عمل إرهابي» من دون أن يُدخل اسمي «حزب الله» و«حماس» فيه، وخاصة أن خطته، التي عرض ملامحها خلال كلمته في الأمم المتحدة، تقوم على أساس توحيد النظرة إلى فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، وبقية التنظيمات التي تنشط في المنطقة. باعتبار أنها تمثل التهديد نفسه على إسرائيل والعالم الغربي.
وحرص الرجل أيضاً، على أن يقدم الحادثة في باريس كأنها تعبير عن صدق تنبؤاته، لافتاً إلى أنه سبق وحذّر من أنه إذا «لم يُوقف الإرهاب المتطرّف الذي يمارسه كل من حماس وحزب الله وداعش والقاعدة، فإنّ الإرهاب سيصل إلى أيّ مكان في العالم». وواصل بيانه بالتنبؤ مرّة أخرى: «إذا لم نحاربه على نحو يتحلّى بالمثابرة والإصرار ووحدة الصفّ، فإنّ الأعمال الفظيعة التي شهدناها اليوم في باريس لن تكون الأخيرة، والأعمال المقبلة التي سترتكب ستكون أيضاً مروعة وقاسية»، لكنه تجاهل حقيقة أنّ هذه العملية، ربّما، لم تفاجئ الكثيرين في المنطقة والعالم، بل قد يكون الكثيرون توقّعوا ما يشبهها، انطلاقاً من أنّ «الإرهاب» الذي نما في المنطقة سيتمدّد خطره نحو دول العالم كافة.
وختم نتنياهو بيانه بالفقرة التي يصح وصفها بأنها جوهر ما يصبو إليه، عندما رأى أن «علينا أن ندعم بعضنا بعضاً من خلال خلق جبهة موحّدة وحازمة»، في موقف يرمي إلى دفع الدول الغربية لدعم إسرائيل في مواجهة فصائل المقاومة في المنطقة انطلاقاً من أنهم جزء من الإرهاب المتطرف.
من جهة أخرى، وجّه وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان، رسالة مواساة إلى الشعب الفرنسي والحكومة، موضحاً أنّ «دولة إسرائيل» تشعر بألمهم. ورأى ليبرمان أنه «من المحظور ترك الإرهاب والإرهابيين يفرضون رعبهم على العالم»، قائلا إنّ «الغرب ملزم أن يقف موحداً ومصمّماً في وجه هذا الخطر».
أمّا رئيسة حزب «الحركة»، تسيبي ليفني، فرأت في كلمة في كلية الإدارة في ريشون لتسيون، أنه «لا حديث ولا مصالحة مع الإرهاب»، مشيرةً إلى أنّ «الإرهاب يقاتل بحرب إبادة بلا هوادة، هنا، في فرنسا أو في أي مكان في العالم». وأضافت ليفني أنّ «الإسلام المتطرّف في فرنسا هو عمليّة مضادّة لكلّ دول العالم الحر، بما فيه إسرائيل»، لكن رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، استغلّ الحادثة في سياق التنافس الانتخابي، وتوجّه إلى ليفني بالقول: «عجبت لماذا لا تصعدين إلى الطائرة وتتوجهين إلى باريس كي تحلّي لهم المشكلات». وبلهجة استهزاء أضاف: «لعلك تجرين مفاوضات، وتعرضين عليهم أفقاً سياسياً، لأن هذا هو الحل. وتعرضين عليهم وقف الاحتلال من أجل السلام، وأن يعتذروا عن الكاريكاتير». وامتداداً للرؤية والخطة الإسرائيلية، التي عبّر عنها نتنياهو، رأى بينيت أن «الذي يدهس رضيعة في القدس والمخرّب في باريس، هو المخرب نفسه، وهو الإسلام الأصولي نفسه».
في سياق متصل، نقلت صحيفة «هآرتس» عن الباحث في «شؤون الإرهاب» في معهد أبحاث الأمن القومي، يورام شفايتر، قوله إنّه «في عمليات سابقة قام بها مسلمون من ذوي الجنسية الفرنسية، كان المنفذون مقاتلين خرجوا من سوريا». وأشار شفايتر إلى الهجوم الذي تعرّض له المتحف اليهودي في بروكسل العام الماضي، لافتا إلى من سماهم «مجرمين جنائيين يعانون تطرّفا فكريا قاموا بعملية قتل في المدرسة اليهودية في تولوز عام 2012».
أيضا رأى المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنّه، وفق الصور التي تظهر المسلحين الذين هاجموا الصحيفة، يبدو أنّ المسألة تتعلق بخلية منظمة نسبياً، لا «ذئب منفرد»، مشيراً إلى أنّ «الهجوم استند إلى جمع مسبق للمعلومات، وتضمّن هجوماً بقوّة نارية كثيفة، وبرز ذلك من خلال إصابة أفراد شرطة»، وهرب ناجح من الساحة. وعلى هذه الخلفية يصحّ القياس إلى ما جرى في بروكس وتولوز اللتين «تبدوان تشبيهات أكثر ملاءمة».
ولفت هرئيل إلى أنه حتى إسرائيل لا تؤمن بمعادلة «حماس هي داعش»، ودلّل على ذلك بأنّ حكومة نتنياهو بذلت خلال الحرب الأخيرة ضد غزة جهودها كي لا تسقط حكومة «حماس» في القطاع. وأضاف: «مع أن إسرائيل ضربت حماس، فإنها (إسرائيل) قيّدت عملها خشية أن يظهر بديل عنها في غزة أكثر سوءا، وتنتج من ذلك فوضى تكون فيها فصائل تتماثل مع القاعدة أو داعش الأكثر سيطرة».
في الإطار نفسه، رأى، آفي يسسخروف، في موقع «واللاه»، أنه برغم فظاعة العملية في باريس، «فإنها ليست مفاجأة كبيرة، نظراً للواقع الذي تكوّن في أوروبا والشرق الأوسط، وتحرّك الإرهابيين بين المنطقتين». ولفت إلى أنّ مشكلة أوروبا هي السهولة النسبية التي يغادر فيها الشبان المسلمون من الدول الغربية، وينضمّون إلى صفوف «داعش» في سوريا والعراق، «ثم يعودون بعد ذلك الى أوطانهم، ويهاجمون أهدافا هناك».
ورأى يسسخروف أن «تعقّب كلّ شاب مسلم، مهمّة شبه مستحيلة بالنسبة إلى وكالات الاستخبارات الغربية»، مشيراً إلى أنّ ثمّة تحدّيا أمام الاستخبارات الغربية، لا يقل تعقيداً، يتمثل بأنّ «تنظيم داعش يمثل مصدر إلهام للكثير من الشبان في أوروبا من دون أن يسافروا إلى الشرق الأوسط. ولكنهم قد يحملون الأسلحة في بلادهم، وينطلقون لتنفيذ هجمات»، لذا أقرّ بأنّ إحباط هذا النوع من الهجمات «كابوس لأجهزة الاستخبارات».