الاعتداء على صحيفة «شارلي إيبدو»، جاء في وقتٍ تشهد فيه دول أوروبية موجات من العداء المتجدد للجاليات المسلمة فيها. وتجلّى هذا الأمر في تظاهرات ألمانيا الأخيرة، على سبيل المثال، التي احتجت على «أسلمة الغرب»، ما يعيد إنتاج خطاب اتسمت به السياسات الأوروبية والغربية عموماً إزاء المسلمين، في العقد الماضي. توقيت الجريمة ورمزيتها السياسية والثقافية، لا يدعان مجالاً للشكّ في أنها تنبئ بمناخٍ يعرفه المسلمون في الدول الأوروبية جيداً، يتصّف بسياسات تمييزية وإقصائية.

ولم تخالف الجريمة التي وقعت في "شارلي ليبدو" قبل يومين المتوقع، إذ شهدت مدن فرنسية بعدها حوادث إطلاق نار على مساجد وفي مناطق يسكنها مسلمون. ورغم أن الخطاب الفرنسي الرسمي، حاول قدر الإمكان «عقلنة» نبرته إزاء الإسلام والمسلمين، لجأت هيئات ومنظمات فرنسية معنية بشؤون المسلمين الفرنسيين (يراوح عددهم بين 3.5 و5 ملايين نسمة)، إلى التحذير من «استغلال» الهجوم الأخير ولتفادي الخلط بينه وبين الدين الإسلامي، فيما خيّم القلق على المسلمين والعرب في فرنسا، من ممارسات انتقامية بحقهم، قد تتخذ من الاعتداء على الصحيفة، منطلقاً وذريعة.
في هذا الإطار، دعا «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، يوم أمس، إلى «عدم اتخاذ جميع مسلمي فرنسا بما فعله مرتكبو الهجوم»، بعد تعبير معظم هيئاته عن «صدمتها الشديدة وحزنها من اغتيال مواطنينا الصحافيين والشرطيين».
وناشد المجلس، في بيان، «كل المتمسّكين بقيم الجمهورية والديموقراطية، الابتعاد عن الاستفزازات التي لا تؤدي إلا إلى صبّ الزيت على النار»، مطالباً «الجالية المسلمة في فرنسا» بالتزام «أقصى درجات الحذر إزاء أي ألاعيب محتملة تصدر عن مجموعات متطرفة».
كذلك طلب المجلس، وهو الهيئة الرسمية التي تمثل مسلمي فرنسا، وكذلك «اتحاد منظمات مسلمي فرنسا» (المقرب من «الإخوان المسلمين»)، من المواطنين المسلمين المشاركة بكثافة في «التجمّع الوطني» المقرر يوم الأحد المقبل، في باريس.
ودعت المتحدثة باسم «الائتلاف الفرنسي لمحاربة كراهية الإسلام»، إلزا راي، المسؤولين الفرنسيين، إلى تبني «الخطابات المسؤولة التي تتفادى أي تعريض غير مناسب بالمواطنين من أصحاب العقيدة الإسلامية والامتناع عن تغذية جو ثقيل من الأحكام المسبقة والنبذ يعاني منه مسلمو فرنسا سلفاً».
في هذا السياق جاءت دعوة مسؤولين مسلمين في فرنسا، أئمة مساجد البلاد، إلى «إدانة أعمال العنف والإرهاب بحزمٍ شديد»، أثناء خطبة الجمعة. كذلك، عبّر رئيس «المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام»، عبد الله زكري، عن «القلق من ارتكاب أعمال عنف بحق المسلمين».
(الأخبار، أ ف ب)