بعد ازدحام المشاورات والنقاشات والدراسات التي أحيطت بالاتفاق النووي، إيرانياً وخارجياً، جاءت الكلمة الفصل، أمس، على لسان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. أعطى ما يشبه الضوء الأخضر لتنفيذ الاتفاق. وفي رسالة إلى الرئيس حسن روحاني، قال الـ«نعم» المنتظرة، التي سبقتها تكهنات كثيرة بشأن موقفه من الاتفاق، ترافقت مع تحليلات عن موافقة عكَسَها تصويت البرلمان الإيراني، وفق بعض المراقبين، وتصريحات المقرّبين منه، بحسب آخرين.
الرسالة التي بعث بها إلى روحاني قد تعدّ أمراً بتنفيذ الاتفاق، مع «لكن» تمحورت حول نقاط يجب مراعاتها، تتمحور حول «عدم الثقة بالجانب الأميركي» كأساس يجب الارتكاز عليه، للانطلاق إلى باقي التفاصيل. فـ«الطرف الأميركي واصل عداءه لإيران في الملف النووي وفي باقي الملفات»، رغم الرسالتين التي بعث بهما الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى. وبناءً عليه «من المستبعد أن يترك الأميركيون هذا النهج في المستقبل»، بحسب ما أشار إليه خامنئي.

وضع أيّ عقوبات خلال السنوات الـ8 المقبلة وعلى أيّ مستوى يعتبر انتهاكاً للاتفاق


كان لا بدّ للمرشد الأعلى من أن يلفت إلى ضرورة اتباع الحذر مستقبلاً، رغم إشارته إلى «يقظة المسؤوليين الإيرانيين تجاه النيات الأميركية العدائية، والوقوف في وجه هذه النيات، أثناء المفاوضات، الذي منع وقوع أضرار كبيرة على البلاد». ذلك أن الأداء الأميركي «يثبت أن واشنطن لم تدخل المفاوضات النووية بهدف حلّ هذه القضية، بشكل عادل، بل بهدف متابعة أهدافها العدائية تجاه إيران».
وأيضاً، بدا من الضروري حضّ منفذي الاتفاق على الحذر في جوانب تقنية، تشكل نقاط ضعف وغموض، وبالتالي تفتح الباب على ما لا تحمد عقباه مستقبلاً. لذا، يجب عدم معالجة هذه النقاط «حسب تفسير الطرف المقابل»، بل إن «المرجعية في ذلك يجب أن تكون نص المفاوضات».
من هنا، أوضح خامنئي أن «قبول إيران بالتفاوض مع الدول الست كان بهدف إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية الظالمة». ومن منطلق أن «الاتفاق يرجئ إلغاء العقوبات إلى ما بعد قيام إيران بتنفيذ تعهداتها»، شدد على «وجوب أخذ ضمانات قوية وكافية لمنع تنصل الأطراف المقابلة من واجباتها»، موضحاً أن «من جملة هذه الضمانات إعلاناً مكتوباً من الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي بإلغاء العقوبات». خامنئي شرح أبعاد ما ذهب إليه في هذا الإطار، وقال «يجب أن يتضمن إعلان الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي أن العقوبات قد رفعت بالكامل»، مؤكداً أن «أي تصريح بأن شاكلة العقوبات ستظل باقية يعتبر خرقاً للاتفاق النووي».
المرشد الأعلى تناول جوانب أخرى خارج إطار الاتفاق النووي، يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة للتضييق على إيران. وقال إن «وضع أي عقوبات خلال السنوات الثماني المقبلة، وعلى أي مستوى وتحت أي ذريعة (ومنها الذرائع الواهية والمتكررة حول الإرهاب وحقوق الإنسان)، يعتبر انتهاكاً للاتفاق النووي». واستناداً إلى ما تقدم، قال إنه عند حصول ذلك «يجب على الحكومة أن توقف العمل بالاتفاق النووي، وفق المادة الثالثة للقانون الذي سنّه مجلس الشورى الإيراني».
أحد التفاصيل التقنية التي تطرّق إليها المرشد الأعلى، بهدف الحصول على ضمانات لتنفيذها، هو «التعديلات في مفاعل آراك للماء الثقيل وتبادل اليورانيوم المخصّب مع الكعكة الصفراء مع دولة أجنبية». في هذا الإطار، قال إنه «يجب أن تبدأ هذه العملية فقط حينما تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إغلاق ملف تحقيقاتها في نشاطات إيران السابقة والحالية». وأوضح أن «عمليات تحديث مفاعل آراك، التي يجب أن تحافظ على كونه مفاعلاً للماء الثقيل، ستبدأ فقط حينما يعقد اتفاق مؤكد ومطمئن بشأن المشروع البديل، مع وجود ضمانات كافية لتنفيذ هذا الاتفاق». كذلك، فإن «تبادل اليورانيوم المخصّب الموجود مع الكعكة الصفراء مع دولة أجنبية، يجب أن يبدأ فقط حينما يعقد اتفاق مؤكد بشأن ذلك مع وجود ضمانات كافية، كما يجب أن تجري عمليات التبادل بشكل تدريجي وعلى عدة دفعات»، بحسب ما أضاف خامنئي.
أما عن قطاع الطاقة النووية في البلاد، فقد أكد أنه يجب العمل على تطويره وأن يستمر، للوصول إلى امتلاك 190 ألف وحدة فصل، خلال الأعوام الـ15 المقبلة، بحسب ما قرره مجلس الشورى. كذلك أشار إلى أنه يجب على منظمة الطاقة الذرية الإيرانية متابعة الأبحاث وعمليات التطوير في مختلف المجالات، «حتى لا يكون هناك أيّ نقص تكنولوجي في مجال تخصيب اليورانيوم، بعد انتهاء فترة الثمانية أعوام».
خامنئي أمر بتشكيل لجنة، مهمتها التأكد من قيام الطرف المقابل بتعهداته والتزاماته، نظراً إلى التعقيدات والنقاط الغامضة في نص الاتفاق النووي، واحتمال قيام الطرف الآخر، وخصوصاً الجانب الأميركي، بالمراوغة والخداع وعدم الالتزام بتعهداته.
وفي ختام رسالته، شدّد على أنه مع وجوب العمل على إلغاء العقوبات الظالمة، لكن تحقيق الانفراج الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية وحلّ المشاكل الموجودة لن تتحقق إلا بتنفيذ خطة «الاقتصاد المقاوم»، ومتابعة هذه القضية بجدية والاهتمام الجدي بالانتاج الداخلي. وبناءً عليه، أكد ضرورة الحؤول دون استيراد السلع الأجنبية، بشكل مفرط، بعد إلغاء العقوبات، والامتناع الجدي عن استيراد أي سلع استهلاكية أميركية الصنع.
(الأخبار)