بعد الرئيسين الإسرائيلي شمعون بيريز والفلسطيني محمود عباس، حطّ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في البرازيل، في زيارة تاريخية يخشى الغرب مفاعيلها المرتقبة
بول الأشقر
على الرغم من الاستياء الغربي، دشّن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمس، زيارة هي الأولى من نوعها لحاكم إيراني إلى البرازيل، على أن تليها زيارة لفنزويلا وبوليفيا. وبذلك يكون الرئيس البرازيلي لويس إيغناسيو لولا دا سيلفا قد استقبل، خلال عشرين يوماً، بيريز وعباس ونجاد.
الزيارات المتتالية هي تجسيد لرغبة البرازيل الصاعدة في أداء «دور الوسيط» في صراعات منطقة الشرق الأوسط. ويبرّر الرئيس البرازيلي هذه الرغبة بما يسميه «النموذج البرازيلي في التعايش بين الأديان والأعراق، بل في اندماجها»، إضافةً إلى تقديره بـ«أن الظرف ملائم لفتح حوار بين دول الشرق الأوسط». وقد أكد لولا أنه سيردّ في شهر آذار المقبل الزيارات لرؤساء الدول الثلاث.
لا يستبعد محلّلون أن تتحوّل البرازيل إلى شريك لإيران في التعاون النووي
بالنسبة إلى زيارة الرئيس الإيراني، التي تأجلت قبل أشهر بطلب من طهران عشية الانتخابات الإيرانية، فيمكن رصد أوجه عديدة لها. أوّلاً، وجه سياسي تعبّر من خلاله البرازيل عن استقلاليتها (البرازيل من أوائل الدول التي اعترفت بشرعية إعادة انتخاب نجاد)، وربما أيضاً عن استيائها من عدد من المواقف التي اتخذتها الإدارة الأميركية إزاء شؤون أميركا اللاتينية، وتحديداً مسألة القواعد العسكرية في كولومبيا، والموقف من هندوراس. وبالنسبة إلى الرئيس الإيراني، تمثّل الزيارة كسراً للعزلة التي يحاول الغرب فرضها عليه، وتوسيعاً لرقعة علاقاته الدولية، التي يهمّ الغرب أن تكون محصورة في أميركا اللاتينية بالرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز وحلفائه.
أما الوجه الثاني للزيارة، فهو الملف النووي، إذ يؤكد الرئيس البرازيلي باستمرار منذ عام 2007 حقّ إيران في تطوير طاقتها النووية لأهداف سلمية، ورفضه لسياسة «عزلها»، لأن البرازيل تخشى، بحسب عدد من المحللين، أن تنسحب العقوبات القاسية، التي قد تلحق بإيران، في ما بعد عليها، فيما تستعدّ لإعادة تفعيل برنامجها النووي، والتحول إلى مصدر لليورانيوم المخصّب.
لذلك ترجّح جريدة «أو إستادو دي سان بولو» البرازيلية أن يطلب لولا من نظيره الإيراني أن يليّن موقفه من الاقتراح الغربي الصادر عن اجتماع فيينا. وفي هذه الحالة، لم يستبعد محلّلون ألمان حتى أن تتحوّل البرازيل في مرحلة لاحقة إلى شريك لإيران في التعاون النووي. بالنسبة إلى طهران، ستزيد الزيارة لرجل «يحظى باحترام المجتمع الدولي وإعجابه» صدقية مشروعها النووي، وهو بالضبط ما يخشاه الغرب.
الوجه الثالث يشمل العلاقات التجارية والنفطية؛ ومن المرجّح أن تمثّل الزيارة، التي سينتج منها توقيع 23 اتفاق تعاون، فاتحة تعاون نفطي بعد الاكتشافات البرازيلية الهائلة من النفط والغاز الطبيعي. على الصعيد التجاري، قد تكون مناسبة لمضاعفة تجارتهما البينية (ملياران من الدولارات سنوياً تمثّل الصادرات البرازيلية 99.3 في المئة منها)، ومضاعفتها خلال السنوات المقبلة. وللبرازيل مزايا تكاملية مع الاقتصاد الإيراني، على عكس كراكاس، التي تشاركها نفس بنية الدولة النفطية.
وأخيراً، تراهن طهران، التي بدأت تفتح مكاتب تجارية في عدد كبير من العواصم الأميركية الجنوبية، على أن تحدّ تلك العلاقات التجارية من وقع العقوبات المفروضة عليها.