باريس ــ بسّام الطيارةعادت وتيرة الحديث عن استعدادات الفرنسيين لمؤتمر دولي بشأن الشرق الأوسط تطفو من جديد على سطح الركود الإعلامي، بين تكذيبات رسمية تدور حول إعلان حسن نيّات، والاستناد إلى «دينامية الاتحاد من أجل المتوسط».
وأكدت مصادر رفيعة المستوى لـ«الأخبار»، أمس، أن فكرة جمع الأفرقاء الفلسطينيين والإسرائيليين كانت «وراء فكرة إنشاء الاتحاد من أجل المتوسط»، إلا أنه تبيّن أن من المستحيل «أن يتكلم (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو»، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى طرح فكرة مؤتمر دولي و«التقطها الجميع وفسّرها كلّ على هواه»، مشيراً إلى أن ما كتبته إحدى الصحف الإسرائيلية عن الموضوع ما هو إلا «إسقاط رغبات على بعض المعلومات».
ويعيد المراقبون التذكير بأن ساركوزي «يدرك ضرورة تحريك الملف»، وأن ذلك ينبع من اقتناع بأن «الأمور آيلة إلى الأسوأ» إذا ظلّت الأوضاع على حالها، ما يمكن أن يقود إلى «توسّع الفوضى وانتشارها في المنطقة». ويلفت مراقبون إلى أن سعي ساركوزي وحركته لا ينبعان فقط من «رغبته في احتلال الفراغ» الذي يتركه انهماك واشنطن وعدم قدرتها على تحريك الملف.
ويضيف المصدر أن «هاجس الدبلوماسية الفرنسية اليوم هو الملف الإسرائيلي الفلسطيني»، بخلاف ما يتحدث به البعض عن إشراك تركيا وسوريا في هذا الملف.
من هنا، فإن العديد من تفاصيل التحرك الفرنسي لا تزال إما طيّ كتمان شديد وإما فريسة تسريبات في مختلف الاتجاهات. ووصف مصدر رفيع المستوى الوضع في المرحلة الحالية بقوله «من أجل التقدم لا بد من اختراق القواعد المعتمدة حتى الآن»، مشيراً إلى أنه يجب على الفريقين «أن يتجاوزا حدود ما يستطيعان تقديمه». وشدد على ضرورة القيام بـ«تنازلات» وصفها بـ«القوية»، معيداً التذكير بأن «فشل قمة الاتحاد من أجل المتوسط كان بسبب الشروط المتبادلة».
الملف الإسرائيلي الفلسطيني يمثّل هاجس الدبلوماسية الفرنسية
ورأى خبير تابع الملف الفلسطيني منذ سنوات أن «ضعف الرئيس عباس بات معرقلاً». وفي رأيه، فإن الفرنسيين باتوا يدركون أنه «لا يسيطر إلا على نصف فلسطين»، وبالتالي فهم يدعون إلى «مصالحة بين حماس والسلطة» تهيّئ لمتابعة مسار التفاوض.
إلا أن قراءة معكوسة لهذه الرؤية تشير، إن لزم الأمر، إلى الأسباب التي تقف وراء تسريب معلومات عن إمكان دعوة «مقرّبين من حماس لإعطاء رأيهم» في اللقاءات التي يزداد الحديث عن إمكان عقدها في منطقة قريبة من باريس، وتجمع فلسطينيين وإسرائيليين وفرنسيين وروساً ومصريين، وذلك رغم تشديد مصدر مطّلع على ضرورة «أن تخرج حماس من إطار الإرهاب». وفي هذه الحال، لا يكون لدى فرنسا مانع من التخاطب معها.
ويفسّر البعض «أهمية سرّية اللقاءات» بأنها تخدم الطرفين؛ «فلا يفقد عباس ماء وجهه»، إذ إنه لا يظهر كأنه يرسل من يتفاوض من دون توقف عملية الاستيطان، بينما يستطيع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن يقول إنه «لا يتفاوض بشروط».
ويتفق المراقبون على أن الولايات المتحدة ترافق من بعيد هذا الجهد الفرنسي، لكنها لا تريد الظهور في الصورة، بينما يقول الآخرون إن ساركوزي سيحاول خلال زيارته للسعودية، التي بدأها أمس، أن يقنع الملك عبد الله بأن «فرنسا تستطيع أن تؤدي دوراً في ملف الشرق الأوسط، في ظل شلل أو فشل المسار الذي تتبعه واشنطن».
وفي السياق، استبق ساركوزي وصوله إلى الرياض بإعلان استعداد بلاده للتوسط بين سوريا وإسرائيل. ولفت إلى أن «الطريق المسدود الذي وصلنا إليه حالياً مقلق للغاية، ولكن في بعض الأحيان تولد من هذه الأوقات العصيبة الحلول، لأنها تعطي الفاعلين الشجاعة والقوة الضروريّتين من أجل التقدم».